تسأل هذه الأعمال الفنية، مثل نظيراتها الخارجية عن كيفية استخدام الرؤية والحركة لفهم عوالمنا، لجعل الظواهر غير المرئية مرئية وملموسة، ولجمع المعرفة والمشاركة في التفكير النقدي وبناء عوالم بناءً على القصص التي نعيشها كل يوم.
الصحراء تعانق الخيال: الأعمال الداخلية
مستمر حتى 27 يوليو
يتضمن المعرض سلسلة من التركيبات الضوئية التأملية، والنماذج الهندسية الرياضية، وسلسلة من الصوَر، والألوان المائية، وخريطة بحثية مترامية الأطراف داخل متحف قطر الوطني.
الغرفة 1
يرحّب بك العمل الفني المعنون "آجلك قبل عاجلك"، 2020، في معرض الصحراء تعانق الخيال. يتطور هذا الفيلم التناظري بشكل جذري، كما يسمّيه الفنان، ويتلاشى في سلسلة متصلة بطيئة من الأشكال والألوان والضوء والظلال المتغيرة باستمرار، ويبدو جديداً على الدوام. يظهر أصل الضوء والأشياء التي تخلق النماذج - المحركات والمرايا والمؤثرات والعدسات - خلف الشاشة. لطالما كان إلياسون مفتوناً بالأجهزة البصرية. على مرّ السنين، جمع الفنان العديد من العدسات كجزء من تحرّياته حول الإدراك وخصائص الضوء. تمّ فصل العدسات الموجودة في هذا العمل الفني عن استخدامها العادي كأدوات للمراقبة والتسجيل. عوضاً عن ذلك، جرى التعامل معها كمواد لخلق شيء جماليّ. يعتمد العمل الفني على اللقاء الماديّ بينك أنت كمشاهد والعمل الفني هنا والآن.
يكتب الفنان: "تسعى أعمالي الفنية إلى تجسيد التحول أكثر من الاستقرار والوجود. ليس الصحراء تعانق الخيال تمثيلاً مستقراً أو نموذجاً للواقع، بل هو الواقع بذاته. تتغيّر تجربتك معه تبعاً للوقت الذي تقضيه فيه".
الغرفة 2
على مرّ السنين، عاد إلياسون مراراً وتكراراً إلى آيسلندا، البلد الذي تنتمي إليه عائلته، لاستكشاف المعالم الثقافية والمناظر الطبيعية بعدسة كاميرته. نتج عن هذا المشروع المثابر والطموح - الذي يكاد يكون خرائطياً في نطاقه - ما يقارب 80 سلسلة من الصوَر حتى الآن ووفرة من الصور الفردية للأنهار الجليدية والشلالات والأنهار والبراكين والكهوف، من بين أشياء أخرى. يعرض سلسلة الصور في شبكات، على شكل أنماط، كلّ منها مخصص لعنصر معين من بيئة البلد. غالباً ما يتمّ تسجيل الظاهرة ذاتها في إعدادات مختلفة، أو يتم توثيق موضوع واحد من وجهات نظر مختلفة. يحاكي هذا النهج تصنيفاً شبه علميّ ومقارنة بين العيّنات - ليس كطريقة حصريّة للتعامل مع موضوع الصورة ولكن كمقاربة واحدة لها وكيفية ارتباطنا بها.
بعيداً عن توثيق التضاريس فحسب، تعكس صور إلياسون النابضة بالحياة علاقتنا بالطبيعة، والفضاءات المادية التي نوجد فيها، وحركة الجسد التي يستشعرها عبر الفضاء.
وقع الاختيار على السلسلة المعروضة هنا من قبل الفنان مع أخذ المناظر الطبيعية في قطر بعين الاعتبار. إنه يرى نوعاً من التجاور المثمر بين موقعَيْ آيسلندا وقطر، فكلاهما موجود في ظروف بيئية متطرفة. "على الرغم من أنه لا يمكن أن يكونا أكثر اختلافاً"، يقول إلياسون، "إلا أن المناظر الطبيعية الرملية في قطر وحقول الحمم البركانية في آيسلندا مترابطة على نحو ما. كلاهما يعاني من درجات حرارة متطرّفة. كلاهما صحارى. كلاهما مناظر طبيعية رقيقة وهشّة".
الغرفة 3
تعكس المنحوتات الماثلة في هذا المعرض العديد من الموضوعات المركزية لممارسة إلياسون الفنية على مرّ السنين. تُستلهم الأشكال والصيَغ من البحث الرياضي الهندسي المستمر الذي أجراه الفنّان مع فريقه في استديو أولافور إلياسون، في برلين، ألمانيا. ينبع اهتمام إلياسون بهذه الأشكال المعقدة - في الأشكال المتعددة السطوح والكرات والمنحنيات - من الرغبة في إيجاد بدائل للتفكير السائد والمتعامد للهندسة المعمارية والفن والتصميم الحديث. يأمل إلياسون أن تكبح النماذج الجديدة للتصميم والبناء تخدير حواسنا. يلعب الضوء أيضاً دوراً مهمًا في ممارسته الفنية، بحيث يتماشى مع حالة الإدراك البصري ذاتها. تؤثر جودة الضوء وتدرّجه اللوني وقوّته بشكل أساسي على كيفية رؤيتنا للعالم واستجابتنا له. وقد تمّ عرضها بالتوازي في الصحراء تعانق الخيال، ليس بشكل فردي فحسب وإنما أيضاً عبر مساحة المعرض مع بعضها البعض، يضيف كل واحد من الأعمال الفنية النموذجيّة صدى سياقياً إلى نظيره.
يشكل تركيب "نافذة الطحالب"، 2020، القائم أمام نافذة عند أحد طرفي المعرض، مجموعة من كرات زجاجية بأحجام مختلفة. يشبه تكوين العمل إلى حد كبير بنية نوع واحد من الطحالب أحاديّة الخليّة المعروفة باسم الدياتومات، وهي متوفّرة حول العالم في المحيطات والمجاري المائية. تُنتج هذه الكائنات الدقيقة قدراً كبيراً من الأكسجين الموجود على كوكب الأرض وتزيل كمّيات كبيرة من الكربون من الغلاف الجوي، وتتميّز بنقوش معقدة، وقشور مصنوعة من السيليكا، وتُظهر تناسقاً رائعاً وتعقيداً هندسياً رياضياً. تمّ استلهام العمل الفني من اهتمام إلياسون بما هو أكثر من بشريّ، وهو موضوع أساسيّ تم سبره في خريطة البحث.
الغرفة 4
تزحف مروحة واسعة من الألوان عبر جدران هذه الغرفة الدائرية، وتلفّ الزائرين بتركيب نابض بالحياة لحقول الضوء المتغيّرة باستمرار. يحتوي البناء الدائري المسؤول عن "المنارة الحيّة"، 2023، على ألواح من الزجاج الملون، ومؤثرات لونية، ومصاريع تدور بثبات على المحركات حيث تُضاء بواسطة الأضواء الكاشفة من الداخل. تتحرّك الظلال الملونة على طول الجدران، وتتداخل، وتنبثق منها الأشكال الثانوية والثلاثية. تتراقص خيالات الزوار بين موجات الضوء والألوان، مما يتسبب في انبثاق ظلال وأشكال جديدة متتالية في جميع أنحاء الغرفة. تدمج الستارة المضلّلة للضوء المتحرك الجدران والمساحة المحيطة في العمل الفنيّ، وتحول رواق المعرض من حاوية للفن إلى موضوع مثير للاهتمام في حد ذاته.
يتّصل هذا التركيب الضوئي بزاوية 360 درجة بالأعمال الفنية الواقعة في الهواء الطلق بالقرب من محمية الذخيرة لغابة المنغروف الطبيعية، وخاصة عمل "أضواء الاتجاه للبحار المرتفعة"، 2023، وهي مجموعة من 5 مصابيح موزّعة بين الأجنحة الـ 12 التي تقسم أضواؤها الموجّهة المنظر الطبيعي إلى مناطق بإضاءة مميّزة.
الغرفة 5
يتكوّن كل من هذه الأعمال الفنية الثلاثة المترابطة "شيء مُحدد بنشاطه (الآن)"، و"شيء مُحدد بنشاطه (قريباً)"، و "شيء مُحدد بنشاطه (بعد ذلك)"، من نافورة مياه صغيرة تنبثق مباشرة من قواعد أسطوانية سوداء. تضيء مصابيح ستروبوسكوبية، مثبتة مباشرة فوق القاعدة، دفقاتِ الماء في رشقات ضوئية إيقاعية سريعة، وتنتج خداعاً بصريّاً حول منحوتات ثابتة معلّقة بشكل عابر في الهواء.
على غرار الطريقة التي يكبح بها التصوير الفوتوغرافي سيولة مرور الوقت واستمرارية الحركة، توفّر هذه النوافير المضيئة ستربوسكوبياً لمحة عن الفضاء المستحيل للحاضر. تكشف الأشكال الناتجة عن المنحنيات والهندسة الرياضيّة الكامنة وراء حركات الماء في الجاذبية، والتي ترتبط جماليًا بالمنحوتات الهندسية الرياضية واللوحات المنقّطة بالصدفة المعروضة في صالات العرض الأخرى.
الغرفة 6
تم إنشاء الأعمال الفنية الدائرية المعروضة في هذا المعرض بواسطة آلات بسيطة جرى تركيبها في مختبر إلياسون الفني الخارجي، بالقرب من غابة المنغروف بالذخيرة. أنجزت الأعمال بواسطة آلات موجودة في ثلاثة أجنحة منفصلة في الموقع. تستخدم أعمال "مرصد رسومات الشمس (الكرات الكبيرة)" و "مرصد رسومات الشمس (الكرات الصغيرة)" ضوء الشمس والعدسات لحرق علامات على أوراق دائرية ثابتة، بينما يشتمل مرصد رسومات ملح البحر على آلتين تخلطان مياه البحيرة مع الصباغ والبندولات التي تحركها الريح.
ابتكر الفنان آلات الرسم منذ العام 1998، وهو مشروع بدأه بالتعاون مع والده، إلياس هورليفسون، الذي كان فنّاناً وبحّاراً وطبّاخاً. تستخدم آلات رسم إلياسون عموماً الحبر أو الطلاء أو أقلام الرصاص الملونة ويتمّ التحكم فيها بواسطة عناصر متجانسة، مثل الظواهر الطبيعية أو الاهتزازات من الموجات الصوتية أو الحركة، لإنشاء علامات على أوراق دائرية من الورق أو القماش.
الأعمال الخارجية (مستمر حتى 28 أكتوبر)
بالإضافة إلى الأعمال المعروضة في متحف قطر الوطني، يتضمن معرض الصحراء تعانق الخيال سلسلة من 12 جناحاً في الهواء الطلق بالقرب من محمية الذخيرة لغابة المنغروف الطبيعية.
خارطة البحث
"خارطة البحث - عمل فنّي قيد الإنجاز، كان ذات مرّة لوحاً للأفكار، لا يشكل أكثر من بضعة أمتار مربّعة في الحجم، يستعمله عدد قليل من أعضاء الاستديو. وبما إن هذا اللوح آصبح أكثر محوريًا في طريقة تفكير أولافور إلياسون، قرّر الفنان أن يخلق نسخًا موسّعة عديدة من اللوح لزوّار المتحف. تطوّرَ العمل مع الوقت ليبلغ طوله حوالي 35 متراً، وقد ازدادت تفاصيله عبر العمل السنوي المتعدد لأعضاء الفريق البحثي للاستديو. على الرغم من حجمها الواسع هنا في متحف قطر الوطني ، فإن خارطة البحث ليست شاملة أو كاملة ولا تطمح أن تكون كذلك.
على الرغم من أنها منظمة أبجدياً وفْقَ مفاهيم، إلا إنّ خارطة البحث قد صمّمت عن قصد لتقارَب بشكل غير خطّي. يُمكنكم البدء من أي مكان تريدون على طول الجدار. إنها فضاء لسرد القصص حيث المحتويات غير المترابطة في الظاهر تخفق جنباً إلى جنب – وتخلق معنىً جديداً. نرجو منك أيها القارىء والزائر أن تغني الخريطة بآرائك وارتباطاتك الخاصّة.
1 / 26
جوّ + أنثروبوسين
يحيل الجوّ بشكل ملموس إلى طبقة الغازات التي تغلّف وتدعم الحياة على الأرض، لكنه يمكن أن يصِف أيضًا شعورًا عابرًا يعتري الشخص من مكان أو موقف - على سبيل المثال، جوّ حفلة عشاء، أو الجوّ السياسي لبلد ما - و هو مصطلح وثيق الصلة بالجماليات. يُعرِّف الجغرافي ديريك ب. ماكورماك الجوَّ مثلاً على أنه 'أزمنة فضاء أوّلية وظروف جوية تؤثران معًا، ويمكن الشعور بقوّتها وتنوّعها، أحيانًا بشكل كامل وأحيانًا بالكاد، في أجسام من أنواع مختلفة'.
كشفت الدراسات الحديثة التي تربط رسوم السماء في اللوحات التاريخية بالظروف الجوية وقت حدوثها عن وجود صلة مثيرة للاهتمام بين مفهومين اثنين للجوّ: تحتوي اللوحات التي تمّ إنتاجها بعد هيجان بركاني كبير في ثمانينيات القرن التاسع عشر على نِسَب ألوان متغيرة في سمائها، مبرزة درجات حمراء أكثر من اللون الأخضر مقارنة باللوحات التي صنعت في السنوات الأخرى. يُستفزّ المزاج الجمالي لهذه اللوحات إلى حد كبير من خلال تأثير الشمس على الرماد المعلّق.
على نحوٍ مشابه، يُحتمل أن تكون الظروف الجوية الناتجة عن البراكين خلال تلك الفترة نفسها قد ألهمت ماري شيلي لكتابة فرانكشتاين: 'تسجل الرواية، التي كُتبت في خضمّ أزمة مناخية غامضة بقيت في الذاكرة على أنّها سنَة بلا صيف، التأثير غير المتوقع لجوٍّ في حالٍ من البلبلة على الخيال الأدبيّ'.
لقد ألهمت فكرة جعلِ شيءٍ غيرِ مرئي - مثل الهواء - صريحًا ومحسوسًا أولافور إلياسون على نطاق واسع في صناعته الفنّية.
كالسمكة التي تسبح في الماء، لا يلتفت البشر دائمًا إلى الهواء المحيط بهم. يقترح الفيلسوف بيتر سلوترديجك أن الهواء في الجوّ لم نشعر به صراحة إلا إلى حين جرى تحويله إلى سلاح خلال الحرب العالمية الأولى من خلال هجمات بالغازات السامة، إذ تمّ سحب الهواء وتُرك الجنود ليختنقوا في الخنادق. رجوعًا إلى عالم الاجتماع والفيلسوف برونو لاتور، فإنّ فكرة سلوترديجك تكمن في أنه 'إذا كنت تريد أن تفهم ما هو الشعور بشيء ما، فلن يكون ذلك من خلال التمرين على السينوغرافيا القديمة الشاقّة للتجربة. .بل إنه الإدراك البطيء بأن ثمة شيئً ما قد فُقد'. صار الهواء جزءًا من 'اهتمامنا الجماعي والسياسي' عند النقطة التي يمكن عندها سلبُه منّا.
بعد أكثر من 100 عام، ونظرًا لأن تلوث الهواء يتسبب في أكبر قدر من الضرر الذي يلحق بالسكان الأكثر هشاشة (وغير البشر) في العالم، فإن هذه الفكرة لا تزال تتردد في الخطابات حول العدالة المناخية والأنثروبوسين. اقترح المصطلح من قبل عالم البيئة يوجين ستورمر في الثمانينيات من القرن الماضي، أنثروبوسين هو اسم لعصرنا الجيولوجي الحالي الذي يصوره كمفهوم معرّف على هذا النحو من خلال النشاط البشري. تقتضي مواجهة الأنثروبوسين أن نسأل أنفسنا 'كيف يمكننا العيش على كوكب متضرر'، كما تقترح عالمة الأنثروبولوجيا آنّا تسينج.
شقّت أزمة أخرى متعلّقة بضيق التنفس طريقها إلى النقاش الدولي في السنوات الأخيرة بعد مقتل إريك غارنر - رجل أسود كان أيضًا أبًا وجدًا وبستانيًّا - على يد ضابط شرطة. كلماته الأخيرة كانت 'لا أستطيع التنفس' وقد تم تناولها كصرخة مهمة يحتشد السود حولها.
المصادر:
ديريك ب. ماكورماك Atmospheric Things: On the Allure of Elemental Envelopment (دورهام، ن. سي، 2018).
داهليا هانا، ed., A Year Without a Winter (نيويورك، 2019).
برونو لاتور ‘Air’ في Sensorium: Embodied Experience, Technology, and Contemporary Art (كامبريدج، MA، 2006).
آنا تسينج، The Mushroom at the End of the World: On the Possibility of Life in Capitalist Ruins (برينستون، 2021).
ليا توماس ‘'I Can't Breathe' and the Inextricable Link Between Climate and Racial Justice’، Elle، 3 سبتمبر 2020،
https://www.elle.com/culture/career-politics/a33905037/i-cant-breathe-police-brutality-covid-19-climate-crisis/
2 / 26
أجساد
يُقدّر عدد العوالم بعدد الأجساد المختلفة الموجودة، مع كل الاختلافات المحتملة في الجِنس والعُمر والعِرْق والقدرات - مما يجعل الأجساد والعوالم متعدّدة بالضرورة. من السهل الحديث عن "الجسد" كشكل مجرَّد وذو قدرة، لكن في ذلك بعض الاختزال، وفيه ما يهملُ الاختلاف، ولا يعترف بالخبرات الحياتية الفريدة التي لا حصر لها للبشر، ناهيك عن غير البشر. في الإصدارات السابقة لجدار البحث، استخدمنا تعبير "الجسد". يُسعدنا الآن الانتقال من "الجسد" إلى "الأجساد".
يقوم عمل الفنانة شانون فينيجان بعنوان Portable Mural ( جدارية محمولة)، 2018، على جملة واحدة مقوّسة عبر الحائط: "إعادة ابتكار غرابة حركتي كشكل فني بحيث أكون وحدي الممارِسة المثالية له".
يحاجج أندرو ميللر، بطل ذوي الهمم في حكومة المملكة المتحدة، أن مسائل سهولة الوصول يجب أن توضع على بساط البحث أثناء التخطيط للمعارض وتنظيمها، ويضيف في مقال لـArtsy: "إن التفكير المؤسسي حول الإعاقة ليس متقدمًا بدرجة كافية… لا يزال أمام الفنون البصرية طريق طويل لتقطعه ".
لطالما استلهمت أعمال أولافور إلياسون الفنية من تجربة الفنان مع جسده. هذا الاهتمام، الذي طوّره لأول مرة كراقص بريك دانس في سنوات المراهقة، يشهد على أُلفة استثنائية مع الراقصين ومصممي الرقص، مثل مصممة الرقص إيفون راينر، وراقص الشارع ومصمِّم الرقص ستين كورنر، وراقصة الباليه ماري أنييس غيّو، التي تقول 'أعتقد أن الجسد هو المادة الأكثر ذكاءً، بل إنه أكثر ذكاءً من الذهن. لا يصح تعبير "أنا أفكّر، إذن أنا أرقص"، لأن الأمر أشبه بـ "أنا أرقص ثم أفكر". أستكشفُ الفضاء بشكل جسدي، وليس بشكل ذهنيّ.' هذا نهج يمكن تقصّي أثره في الطليعية الأوروبية في أوائل القرن العشرين، لدى فنّانين مثل أوسكار شليمر وراقصين مثل رودولف فون لابان، الذين استقصوا عن الطريقة التي تخلق عبرها الأجسادُ مساحات من خلال الحركة. كتب لابان أن 'الحركة هي إلى حد ما هندسة حية تعيش عبر تغيرات في الموقع ولكنها تتواجد أيضًا عبر اللُحمة'.
أجسادنا تخلق الفضاء والمساحة، لكنها أيضًا مسامّية الطبع، إذ نلمس العالم وندمج الخارج عن طريق تنفسنا. على حد تعبير الكاتب العلمي تور نورتراندس، 'عندما تأخذ نفسًا تلمس جزءًا من الكوكب داخل جسدك'.
كتبت ميشيل مورفي، مؤرخة العلوم والتكنولوجيا، عن 'العلاقات الكيميائية لتجسيدنا'، في بحثها المتخصص في التلوث، و'حواس التجسيد غير الاستعمارية'، وصنع المعرفة. لقد استوحينا من أفكارها حول التجسيد، وحاولنا أن نستلهم منها في أفكارنا. كتبت مورفي: 'التجسيد هو ارتباط جماعي لعلاقات التعرّض المسامية العميقة وغير المتكافئة للغاية: تتشابك هشاشتي تجاه الأذى مع راحتك".
المصادر:
ماري-أغنيس غيو in conversation with Olafur Eliasson, ‘Body’, في Olafur Eliasson: In Real Life (لندن, 2019).
كلير فوون، ‘How Museums Are Increasing Accessibility for Visitors with Disabilities’, Artsy, 14 أكتوبر 2019، أونلاين على https://www.artsy.net/article/artsy-editorial-museums-finally-accessibility-visitors-disabilities-seriously.
تور نورتراندس، اقتباس من أولافور إلياسون Never Tired of Looking at Each Other – Only the Mountain and I، (بكين، 2012).
ميشيل مورفي ‘What Can’t a Body Do?’ في Catalyst: Feminism, Theory, Technoscience في 1رقم. 3، 2017.
3 / 26
العدالة المناخية
"ليس الجنس البشري بشكل عام هو الذي تسبب في تغير المناخ"، يصرّح مؤرخ الفن والناقد الثقافي ت .ج .ديموس، " بل هم بشر محدّدون، وشركات محدّدة ودول متقدمة ضمن تاريخ طويل من الرأسمالية، والاستعمار، والعبودية، والإبادة الجماعية، ويجب إقحام ذلك في الحوار". رغم أن الأزمة تطال العالم بأسره، يتابع ديموس، " يؤثر تغير المناخ على الناس جميعًا بطرقٍ شتّى، وفقًا للموقع الجغرافي ناهيك عن كيفية تقاطع تغير المناخ مع الثروة أو الفقر، والطبقة، والجنس، والدين". تميل المجتمعات الأكثر فقرًا إلى أن تكون الأكثر تضررًا من تغير المناخ، بينما تكون الأقل مسؤولية عن خَلق هذا الواقع. يقرّ مصطلح العدالة المناخية بالتقاطع بين تغير المناخ، والطريقة التي تشتبك بها أشكال متعددة من التمييز والعنصرية وعدم المساواة بين الجنسين، وتنصهر لتؤثر على بعض الناس والمجتمعات أكثر من غيرها.
وفقًا للمفوض السامي السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ماري روبنسون ، "النساء والأشخاص مما نطلق عليه جنوب العالم يعانون بالفعل أكثر من غيرهم وفي المقام الأول من الآثار السلبية لتغير المناخ، لذا فهم هم من يبتدعون الحلول. . . . إن النساء المنحدرات من جنوب الكرة الأرضية، ونساء الشعوب الأصلية، ونساء الأقليات، والنساء بشكل عام هنّ من يشمّرن عن سواعدهنّ ويعملن".
لكي يستجيب البشر لتغير المناخ، لا يمكن أن يظل الأمر فكرة مجردة فحسب عن مستقبل مفترَض. يجب أن نعترف به على أنه نقلة نوعية تقع تبعاتها على أناس حقيقيين وعلى غير البشر في الوقت الحاضر. تنضوي هذه الأزمة على آثار فورية ومحلية وملموسة في العوالم المعيشة للأفراد والمجتمعات الذين يمتلكون أسماء ووجوهًا وليس لديهم دائمًا الوكالة. يعدّ تغير المناخ باعتباره حالة طوارئ عالمية أمرًا جوهريًا يتحدد ويتجسد بعمق.
يطمح عمل أولافور إلياسون الفني المعنون"Ice Watch" (مشاهدة الجليد) إلى جعل تجربة تغير المناخ ملموسة من خلال استحضار كتل كبيرة من الجليد من المياه قبالة ساحل غرينلاند إلى الأشخاص الذين يعيشون في المدن البعيدة. في التكرارات المتعددة للعمل الفني، ذاب جليد القطب الشمالي ببطء على مدار أسابيع في الميادين العامة في كوبنهاغن وباريس ولندن - عواصم البلدان التي تحتل مقاعد اتخاذ القرارات الحكومية المرتبطة بتغير المناخ. أعرب إلياسون عن أمله في أن تؤدي تجارب الناس المباشرة والحميمة مع ذوبان كتل الجليد إلى إثارة إجراءات فورية لتحفيز العمل المناخي.
كيف نتعامل مع الشحذ المحدود للوعي والشعور بالخدر الذي يهيمن على مجتمعنا في مواجهة أزمة المناخ؟ ما الذي يتطلّبه الأمر لتحفيز العمل؟ يلاحظ الصحفي ديفيد والاس-ويلز، أن "لدينا ميل إلى انتظار أن يتصرف الآخرون، عوضًا عنا ، أي الرغبة في تفضيل ثبات الوضع الحالي، وبقاء الأشياء على حالها، وفائض من الثقة في أنه يمكننا تغيير الأشياء بسهولة، إذا اضطررنا إلى ذلك، بغض النظر عن حجم التغيير". في الوقت ذاته، يحاجج الصحفي دانيال ألدانا كوهين شارحًا: " تسير هذه النضالات على أحسن ما يرام. اَطلِقْ عليها اسم اختراع ، سمِّها اهتمامًا ، أو سمِّها سياسة - تغير المناخ هو قصة أناس يقاتلون حول كيفية عيشهم".
المصادر:
ت .ج .ديموس، ‘Against the Anthropocene’، محاضرة في Kaaitheater، بروكسيل، .2017
ديفيد والاس-ويلز، ‘Time to Panic’، نيويورك تايمز، 16 فبراير (شباط) .2019
دانيال ألدانا كوهين، ‘Apocalyptic Climate Reporting Completely Misses the Point’، The Nation، نوفمبر (تشرين الثاني) .2018
ماري روبينسون، بودكاست ‘Mothers of Invention’، يوليو (تموز) .2018
ريبيكا سولنيت، ‘Woolf’s Darkness: Embracing the Inexplicable’، نيويوركر، 24 أبريل (نيسان) .2014
4 / 26
بيانات
اليوم لدينا إمكانية للوصول إلى كميات كبيرة من البيانات، ونحن عرضة لها، بل وننتجها كذلك - ننتج معلومات قد تكون نافعة أو ضارة، أو حتّى صادمة. تسأل كارولين أ. جونز ، 'كيف نَعْبر. . . إلى عالم تنبثق فيه الكثير من البيانات عن أشياء لم نعد قادرين على رؤيتها أو سماعها أو اسْتَنْشَاقها أو الإحساس بها - عالم يتطور فيه الإنسان العادي لفهم الزمن العميق، ناهيك عن النماذج الإحصائية للسببية التي تخصّ التغيّر المناخي الأنثروبوجيني؟'.
إحدى طرق محاولة العبور إلى هذا العالم هي من خلال الصور. كيف يمكننا عرض البيانات والمعلومات لجعلها مفهومة لجمهور أوسع، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحفيز العمل استجابة لأزمة المناخ؟ انصبّت جهود العلماء مثل إيد هاوكينز والمصممين مثل كساندرا فوندر آيك بشكل مكثَّف على هذه المسائل. يتعامل المسح ثلاثي الأبعاد لانحسار الجليد مع إكفهرار المناخ، وقد أنشأ إيد هاوكينز عددًا من النماذج لعرض التغيرات في درجات الحرارة العالمية بمرور الوقت.
يُظهر عمل الطبيب والإحصائي هانز روسلينج أنه يُشهَد للبشر ضعفُهم في قراءة البيانات، وهو يرى أن هذا الضعف يعطينا نظرة خاطئة عن العالم والمعضلات التي تواجهنا. نظرًا لذلك، لم يتحيز روسلينج إلى أي رأي سوى الرأي الذي يمكن دعمه بالبيانات وهو موقف أطلق عليه اسم 'الإلمام بالحقيقة'.
ترى عالمة النفس الاجتماعي شوشانا زوبوف أن البيانات- وملكيتها وتسويقها - هي قضية سياسية بامتياز، وهي جزء لا يتجزأ مما أطلقت عليه اسم 'رأسمالية المراقبة'، وهي 'أنواع فرعية جديدة من الرأسمالية تُستمدّ فيها الأرباح من المراقبة الأحادية وتعديل السلوك البشري. . . . تقوم اللعبة على بيع الوصول إلى التدفق الآنيّ لحياتك اليومية - واقعك - من أجل التأثير بشكل مباشر على سلوكك وتعديله من أجل الربح'. يهتمّ أولافور إلياسون بتقييم حقائقنا اليومية، ليس لأغراض استخلاص البيانات، بل لأنها تتكون من تجارب معيشية توفّر إمكانية سبر مفاهيم الثقة والمعاملة بالمثل والوكالة والنقد الذاتي والمشاركة الحسية.
يتخللُ المعلوماتِ التي نجمعها ونحللها ونستخدمها قدَرٌ من التحيزات وغالبًا ما يساء استخدامها، كما تظهر الصحفية والناشطة النسوية كارولين كريادو بيريز في Invisible Women. على سبيل المثال، 'نظرًا لأن النوبات القلبية لدى النساء تظهر أحيانًا بشكل مختلف، لا بل قد تكون مختلفة ميكانيكيًا بشكل فعلي، ربما لا تكون التكنولوجيا التي طورناها للبحث عن المشاكل مناسبة لقلوب النساء.' هذا التطبيق الخاطئ للبيانات موجود أيضًا في نظام العدالة الأمريكي، حيث ثبت أن البرامج الخوارزمية التي تهدف إلى إعطاء استشرافات موضوعية للجريمة تعزز العنصرية البنيوية فيما يسمى 'التحيّز الآلي'. أجرت ProPublica، وهي منظمة مكرسة للصحافة الاستقصائية، تحليلاً إحصائيًّا للبرنامج +المُستخدم، وقد تكشّف التحليل عن تحيّز كبير: 'كان مرجّحًا بشكل خاص للصيغة القائمة أن تشخّص زورًا المتهمين السود كمجرمين في المستقبل، وتصنّفهم خطأً على هذا النحو بما يقارب ضعفيّ معدل المتهمين البيض. جرى تصنيف المتّهمين البيض بشكل خاطئ على أنهم أقل استدعاء للخطر أكثر بكثير من المتّهمين السود'.
المصادر:
كارولين أ. جونز ‘Q&A: Caroline Jones on Cognitive Neuroscience and the Arts’, Arts at MIT website, 28 أغسطس 2014, أونلاين على https://arts.mit.edu/qa-mit-professor-caroline-jones/
شوشانا زوبوف ‘The Secrets of Surveillance Capitalism’, Frankfurter Allgemeine Zeitung, 5 مارس 2016.
كارولين كريادو بيريز، Invisible Women: Exposing Data Bias في a World Designed for Men (لندن, 2019).
جوليا انغوين، جف لارسن، سوريا ماتو، ولورن كريشنر ‘Machine Bias’, ProPublica, 23 مايو 2016, https://www.propublica.org/article/machine-bias-risk-assessm
5 / 26
تجربة
ترى الفيلسوفة كلير بيتيمانجين بأن 'فقدان الاتصال بتجربتنا الحية [هو] السبب الرئيسي للضيق الذي يعصف بمجتمعنا'.
يصف عالم الانثروبولوجيا جو دوميت الرغبة في مقارنة تجربة معينة بالصور التي سجلها هاتفه قائلًا: 'يرى الهاتف ألوانًا لا أراها أنا. يرى اختلافات جذرية لا أحس حتى بها. هذا حوار. . . .يمتلك الهاتف فيه دائمًا تفسيره الخاص'.
لكن ما هي التجربة؟ هل هي مجرد مجموعة من المفاهيم التي يتمّ تلقيها بشكل سلبي من الخارج، أم أننا، نحن الذين نختبر، نساهم فيها على قدر أكبر من تفسير العالم الخارجي للتجارب فحسب؟ ينظر العالم أندرياس رويبستورف في طرائق مختلفة للإجابة على هذا السؤال ويناقش عمله مع بيتيمانجين حول توجيه 'تجربتك مرة أخرى نحو التجربة نفسها. . . ليعود انتباهك نحو اليقظة'.
جنبًا إلى جنب مع رويبستورف،، يقود أولافور إلياسون مشروعًا مشتركًا بين العلم والفن، بعنوان التجربة والاختبار والتأمل (EER). كجزءٍ من هذا دعا إلياسون الفيلسوفة كاترين هايمان، لإجراء مقابلات 'مايكروفينولوجية' في بعض معارضه الأخيرة ، مثل Life in Switzerland ( الحياة في سويسرا). في المقابلات ، يتمّ توجيه المشاركين من خلال سلسلة من الأسئلة للتذكّر والتأمل في تجاربهم الأخيرة.
بالتوازي، كتبت الصحفية ناومي ريا، 'غدت الخبرة كلمة رنّانة في التسويق - وهي الآن الاسم المفضل للمتاحف أيضًا. . . . يعود الفن التجريبي إلى أحداث الستينيات، عندما بدأ فنانون مثل يايوي كوزاما و آلن كابروف في إنشاء تجارب إبداعية شخصية يصعب تحويلها إلى سلع، والتي – من سخرية القدَر - تعمّدت إحباط السوق الفني'. أصبحت التجربة اليوم - بـ"أنستاغراميتها" المرافقة - معروضة للبيع أكثر من أي وقت مضى، لكنها رغم ذلك، لا تزال تحمل إمكانية التمكين والتخريب.
المصادر:
كلير بيتيمانجين ‘Coming into Contact with Experience’, في Studio Olafur Eliasson: Open House (TYT Vol. 7) (كولون, 2017).
جوزف دوميت، ‘Balancing at Vejle and Your rainbow panorama’, غير منشور, 2019.
أندرياس رويبستورف in conversation with Olafur Eliasson, ‘Experience’, في Olafur Eliasson: In Real Life (لندن, 2019).
ناومي ريا ‘As Museums Fall in Love with “Experiences”, Their Core Missions Face Redefinition’, Artnet.com, 14 مارس 2019 https://news.artnet.com/art-world/experience-economy-museums-1486807
6 / 26
مستقبليات
كيف سيكون المستقبل؟ إذا "لم نكن حداثويين قَطّ" ، كما جادل الفيلسوف وعالم الاجتماع برونو لاتور، فهل المستقبل مرادف للتطوّر، أم أنه شيء خطيّ المسار بدرجة أقل؟ كما اقترحت عالمة الأنثروبولوجيا ماريسول دي لا كادينا في سياق مناقشتها لكلمتين من لغة الأنديز الأصلية للكيتشوا - ñawpaq و qhipaq (تُرجمتا تقليديًا بمصطلحَي "الماضي" و"المستقبل" باللغة الإنجليزية) - كتبت لا كادينا: "أولاً، لا يميز مصطلح ñawpaq بين الماضي والحاضر كما يتطلب التاريخ الحديث، وثانيًا، لا تتبع هذه المفاهيم الاتجاهية الحديثة. عوضًا عن التسلسل من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، تنضوي هذه المصطلحات على التمييز بين المعلوم والمجهول، ولا يهيمن المعلوم على المجهول أو العكس".
ما الذي يمكن أن ينبئنا به علم الكون الأصلي عن الوجهة التي أتينا منها وإلى أين نحن ذاهبون؟ وبروحية التعددية، هل من المنطقي التحدث عن مستقبل متجانس فريد، أم أنه ليس ثمّة مستقبل متعدد؟ تتساءل الفنانة ميريام سيمون ، "إذا كنا موجودين في ملايين الحواضر المتباينة تمامًا، فلماذا فجأة يغدو مستقبلنا فرديًا وموضوعيًا وعامًّا وشاملًا للجميع؟ تشبه المستقبليات المعيارية الأنماط الموحدة: الاستعمار والتجانس بالقوة".
كيف سنستجيب، نحن سكان سفينة الفضاء الأرضية للتحديات المستمرة لأزمة المناخ؟ هل سنقوم بما يجب القيام به للحدّ من انبعاثاتنا؟ هل سنعيد خلق الكوكب من خلال الهندسة الجيولوجية؟ يعتقد الكاتب العلمي أوليفر مورتون أنه " يجدر بنا تمامًا الشروع بتخيل عوالم الهندسة الجيولوجية التي قد يصلح العيش فيها، والتي يمكن أن يكون الناس فيها أكثر أمانًا وسعادة مما قد يكونون عليه خارجها ". أم أن أحلام الحلول التكنولوجية، وتحديدًا احتجاز الكربون، هي حرفيًا هدر للطاقة؟ يحاجج مهندس البيئة تشارلز هارفي ورجل الأعمال كورت هاوس على وجه الدقة بأن: "ما تفعله تقنية [احتجاز الكربون] أيضًا هو السماح باستمرار إنتاج النفط والغاز الطبيعي في وقت يجب فيه على العالم إنهاء اعتماده على الوقود الأحفوري".
وإلا، إذا لم نتحرك الآن، فهل سننقرض؟كما تحاجج القيّمة باولا أنتونيلي؟ إذ تؤكد أن "الانقراض أمر مُعتاد، أمر طبيعي". "ليست لدينا القوة لوقف انقراضنا ولكن لدينا القوة للاستفادة منه".
كتبت كاتبة الخيال العلمي أورسولا ك.لوجين في قصيدتها المعنونة ‘Infinitive’ (غير مقيد): "بحضورنا أو غيابنا / سيكون الصمت/ ستكون والصخور والبعد الساطع".
عند الإعلان في عام 2019 عن انقراض نهر "أوك" الجليدي الموجود منذ أكثر من 700 سنة في أيسلندا، قرر النشطاء والآسفون نصب لوحة في الموقع لإحياء ذكرى رحيل النهر. ينص الإهداء على اللوحة، والموجّه إلى الأجيال القادمة، على ما يلي: "هذا النصب التذكاري هو للاعتراف بأننا نعرف ما يحدث وما يجب القيام به. أنتم فقط ستعرفون إذا كنا قد قمنا بذلك".
إذا كنّا الآفلين بالنسبة لشخص ما في المستقبل، وإذا كنا نعيش في الماضي البعيد لأناس المستقبل، إذن، وكما يقترح الفيلسوف ويليام ماكاسكيل ، هل الأشخاص المستقبليون هم "الأغلبية الصامتة الحقيقية"؟ والسؤال الذي يستتبع، أي نوع من الأجداد نريد أن نكون؟
المصادر:
برونو لاتور We Have Never Been Modern (كامبريدج، MA، 1993).
ماريسول دي لا كادينا، Earth Beings (2015, Durham)
ميريام سيمون ‘What Are We Going to Do with All These Futures?’ في Training Transhumanism (I Want to Become a Cephalopod), أطروحة (MIT 2018,).
أوليفر مورتون، The Planet Remade: How Geoengineering Could Change the World (برينستون، 2016) .
باولا أنتونيلي، “We Don’t Have the Power to Stop Our Extinction” Says Paola Antonelli’، في Dezeen، 22فبراير (شباط) .2019
أندري سنار منغناسن، Dezeen، نصب لنهر "أوك" الجليدي، آب .2019
أورسولا ك. لو غين، ‘Infinitive’، في Arts of Living on a Damaged Planet: Ghosts and Monsters of the Anthropocene (مينيابوليس، 2017).
ويليام مكاسكيل ‘The Case for Longtermism’، نيويورك تايمز، 5 أغسطس (آب) .2022
7 / 26
هندسة رياضية
تأثر الفنان أولافور إلياسون في تركيباته الجيوديسية وأعماله الهندسية الأولى في بداية التسعينيات بالمصممين المعماريين الطوباويين، مثل ر. بكمنستر فولر وفري أوتو. وقد بدأ من أجل إنجاز هذه الأعمال بالتواصل مع عالم الرياضيات والمهندس المعماري الأيسلندي إينار ثورشتاين، واستمر التعاون بينهما حتى فترة وجيزة قبيل وفاة ثورشتاين في عام 2015. خلال هذا التعاون، أنتج الاثنان مع أعضاء فريق الاستوديو أعمالًا فنية وأجنحة عديدة، وظفوا فيها علم الهندسة كعلم هيكليي وكلغة بصرية في آن معًا. كان من اللافت وضعهما لأنماط وأشكال خماسية متناظرة في أعمال مختلفة، كما في الجناح الخماسي الأبعاد في عام 1998، وفيما بعد في واجهات قاعة هاربا ريكيافيك الموسيقية، ومركز المؤتمرات، بالتعاون مع المهندس المعماري سيباستيان بهمان الذي كان إلياسون قد عمل معه لفترة طويلة في ذلك الحين، كما بذلا كذلك جهودًا كبيرة سعت للجمع بين المجسمات المتعددة السطوح وبين الهياكل المركبة التي تقف على طرف نقيض من الأشكال التقليدية السائدة في العمارة الحديثة والبيئة الحضرية.
يصف إلياسون العالم ثورشتاين بأنه يمتلك الموهبة، و"القدرة على التفكير الحيّزي، بعيدًا عن تأثره بالمفهوم الديكارتي أو الإقليدي الزمكاني المهيمن... أعني أنه قادر بمفرده على تصور أشكال ذات أبعاد أكثر تعقيدًا وبدقة عالية، ومناقشتها وتطويرها".
لا يزال الفريق الهندسي في استوديو أولافور إلياسون اليوم هو المحرك الرئيس الذي يقف وراء مشاريع الاستوديو، والمشاركة في الأبحاث المتعلقة بالمنحنيات والمجسمات المتعددة السطوح، والتناظر، والأنماط المتنوعة، وهو يوفر القاعدة الأساسية للمشاريع المعمارية الكبرى، والأعمال الكبيرة والصغيرة الحجم.
يرى إلياسون أن الأعمال الفنية المتنوعة التي تعتمد بشكل جذري على الدراسات الهندسية هي نماذج تحاكي الواقع، فهي لا تجسد لنا حقائق بعينها، ولكنها تقدم بدائل كثيرة في العمارة السائدة اليوم وفي الطريقة التي نفكر من خلالها ببيئاتنا المعاشة والمبنية.
المصادر:
أولافور إلياسون ‘Notes on my overlap with Einar Thorsteinn’ في أولافور إلياسون وأينار ثورشتاين، To the Habitants of Space in General and the Spatial Inhabitants in Particular (فيينا، 2002).
8 / 26
يد (أيدٍ)
بدأت مصممة الرقص إيفون راينر، التي كانت راقدة في سرير المستشفى بعد الجراحة، في تأليف رقصات ليديها. ظهرت لقطات لهذا الأمر في فيلمها المعنون Hand Movie (فلم اليد)1966، حيث تثني وترخي يدها وتحرك أصابعها مُقربّة ومُبعدةً إياها عن بعضها البعض، للأعلى والأسفل. يُظهر فيلم راينر أن اليد يمكن أن تكون بداية أي رقصة - وهي فكرة ألهمت أيضًا راقص الشارع ستين كورنر، الذي يكتب عن الفضاء المنبثق حول يده، متحركًا من أطراف الأصابع على طول الذراعين، عبر الجسد، ثم إلى العالم الخارجي: 'إن عزلة الحركات تخلق مساحة – يسبب الجسد انبثاق الفضاء. يكمن الفرق في دخول الفضاء والبدء في الرقص، وفي خلق الفضاء من خلال الرقص'.
تُشكل اليد كذلك نقطة الانطلاق لأي رسم بالعموم، ووفقًا لأولافور إلياسون: 'تجمع رقصة اليد فوق الورقة بين ذاكرة العضلة، والمهارات المعرفية، والخيال الحركي'.
يكتب عالم الاجتماع ريتشارد سينيت ، 'يمتلك الجسد قابلية للاحتفاظ حتى قبل أن يعرف ما إذا كان المُحتفظ به هو شيء بارد جدًا أو ساخن جدًا. الاسم التقني للحركات التي يتوقع أن يقوم فيها الجسد ويتصرف قبل البيانات هي مرحلة ما قبل الإحساس..
يمكن لليد أن تمسك وتشكِّل. تعكس أشكال الطين الغامضة في عمل نيدكو سولاكوف الفني المعنون Fear 2002، خوف الفنان من الطيران: تشكّلت كرات الطين، التي كان يحملها معه عندما طار، بقبضتيه المشدودتين.
المصادر:
ستين كويرنر، ‘Space Emerges around My Hand’, in Never Tired of Looking at Each Other – Only the Mountain and I (بكين، 2012).
أولافور إلياسون، بيان غير منشور عن الرسم، 2014.
ريتشارد سينيت، The Craftsman، (لندن، 2009).
9 / 26
مداخلة
يمكن للمداخلة أن تكون بسيطة للغاية مثل التحديق في المرآة أثناء المشي في المدينة، كما كان الحال في Institut für Raumexperimente (معهد التجارب الفضائية)، وهي تجربة مدتها خمس سنوات في تعليم الفنون أسسها أولافور إلياسون في عام 2009، أو يمكن أن تكون أكثر تعقيدًا، مثل نشاط مجتمعي منظّم يعمل على اختصار الدوائر السياسية والمؤسسية والاجتماعية عبر المستويَيْن المحلي والوطني (Standing Rock ، 2016-2017). كما يقول الفنان كانوبا هانسكا لوغر، 'كفنانين، نحن نعيش في الأطراف. لكننا نحن المرايا. نحن النقاط العاكسة التي تخترق الحاجز'. لوغر فنّان متعدّد الاختصاصات وعضو مسجّل في القبائل الثلاث التابعة لحصن برتولد (ماندان وهيداتسا وأريكارا ولاكوتا)، في عام 2016 ابتكر دروعًا ذات مرايا للمتظاهرين في محمية Standing Rock Sioux، في داكوتا الشمالية، لدعم جهودهم في عرقلة بناء خط أنابيب النفط الذي يهدد إمدادات المياه الخاصة بهم.
غالبًا ما يكون مسرح المداخلة هو الفضاء العام. ينادي المهندس المعماري أليخاندرو أرافينا بتوفير مساحات عامة أكثر وأفضل: 'تمتاز الأماكن العامة بقدرة هائلة وقوية على إعادة التوزيع - ليس للدخل، ولكن لنوعية الحياة. . . . تتمثل إحدى طرق قياس مدينة ما في النظر إلى ما يمكنك القيام به فيها مجانًا'.
تكتب المؤلّفة وعالمة الأحياء روبين وول كيمرير: 'انتشرت قصة اقتصاد السوق كالنار في الهشيم. . . . لكنها قصةٌ حسب مارويناها لأنفسنا ولدينا مطلق الحرية في رواية قصّة أخرى. ' كيمرير، التي تعرّف نفسها بأنها أمّ وعالمة وعضو مسجل في Citizen Potawatomi Nation، هي أستاذة مرموقة تسعى جاهدة في كتاباتها للمواءمة بين المعرفة العلمية و معارف السكان الأصليين في سبيل تعزيز الاستدامة.
غالبًا ما تستلزم المداخلة العمل من قلب النظام ذاته. يحاجج الكاتب والناشط البيئي جورج مونبيو: 'نظرًا لأننا جزء لا يتجزأ من المنظومات التي نتنافس عليها، والحياة المعقّدة، لم يحقّق أحدنا نقاءً أخلاقيًا البتّة. . . من الأفضل إذًا أن نجتهد في فعل الخير، حتى لو فشلنا غالبًا، على ألا نكافح على الإطلاق.'
المصادر :
كانوبا هانسكا لوغر، ‘Mirror Shield Project’, أونلاين على
http://www.cannupahanska.com/mniwiconi
أليخاندرو أرافينا، في محادثة مع أولافور إلياسون، ‘Reclaiming Cities’, in In Real Life (لندن، 2019).
روبين وول كيمرير، Braiding Sweetgrass (منيابولس، 2015).
جورج مونبيو، ‘Today, I Aim to Get Arrested. It Is the Only Real Power Climate Protestors Have’, The Guardian, 16 إكتوبر 2019.
10 / 26
رحلة
أنت، الزائر، قد سافرت إلى هذه الموقع، لتسكن لبرهة هذه المساحة، لتلتقي بهذا المعرض وهذه الأعمال الفنّية. بصيغة أخرى، قام كلّ عمل في المعرض برحلة لمقابلتك: للأعمال مساراتها الخاصة وماضيها وتشهد على تواريخ أخرى.
من أجل Berliner Treibholz (برلين الخشب الطافي) , 2009 تمّ جمع جذوع الأخشاب التي وزّعها أولافور إلياسون في جميع أنحاء المدينة من شواطئ آيسلندا المشهورة بأنها خالية من الأشجار الضخمة. لقد وصلَت إلى هناك عبر المحيط، وسافر بعضها آلاف الكيلومترات. أدلت الأسطح المشقّقة والمبيضّة بشهادتها حول هذه الرحلة. تكتب عالمة الجغرافيا دورين ماسيّ: 'لا يمكنك الاحتفاظ بأماكن (أشياء، أي شيء) لا تزال قائمة'. 'ما يمكنك فعله هو اللقاء بها، واللحاق بما يجب أن يكون عليه تاريخٌ مغايرٌ الآن'، والاعتراف بأن'الآن' تشكلت بحدّ ذاتها من خلال ذلك الاجتماع'.
عمل عبير صيقلي المعنون Meeting Points (نقاط التقاء) 2019، هو 'نموذج أوّلي عملي لنظام مادّة مركّبة قابلة لإعادة التكوين. . . [صنعَت] ردًا على عمليات تصميم الصناعة الحرفية للخيام البدوية، وعلى الممارسات المجتمعية للنسيج والبناء التي تُلقى تقليديًّا على عاتق نساء القبيلة، المهندسات غير المرئيات في النظام الأبويّ'. تسأل المهندسة المعمارية والمصمّمة، 'كيف يمكن أن يظلّ التراث الثقافي وثيق الصلة بمجتمع معولم؟' في عام 2020، التقى إلياسون بصيقلي من خلال ندوة على الإنترنت استضافها منتدى ريكيافيك العالمي - القيادات النسائية.
كتبت الشاعرة إيتل عدنان: 'الإدراك هو أن تكون الحركة'. لقد كان لمساهماتها الرقيقة والدقيقة والواسعة في الكتابة والرسم خلال حياتها صدىً طويلَ الأمد يتردّد في العمل الذي نقوم به في استديو أولافور إلياسون.
ربما تُمَثل جائحة كوفيد -19 رحلة غيّرت العالَم. كتب الفيلسوف وناشط ما بعد العولمة بايو أكومولافي: 'أتمنّى ألا يعود الطبيعيّ هو نفسه مرة أخرى أبدًا'.
المصادر:
دورين ماسي ‘Some Times of Space’ في Olafur Eliasson: The Weather Project (لندن، 2003).
إيتيل عدنان، Journey to Mount Tamalpais (ساوساليتو, 1986).
بايو أكومولافي I, Coronavirus: Mother, Monster, Activist, أونلاين على https://www.bayoakomolafe.net/post/i-coronavirus-mother-monster-activist.
11 / 26
مطبخ
يلعب المطبخ في استديو أولافور إلياسون دورًا أساسيًّا في تعزيز التعاون بين الأقسام، عبر وجبات جماعية عضوية ونباتية/خضراء يجري تقديمها في عدة أيام في الأسبوع، كما يستضيف بشكل دوري تجارب خاصة بالطعام، وورش عمل حول مواضيع مثل التخمير أو الخبز بالخميرة، وعروضًا يقدّمها أخّصائيّون في الطعام، مثل الشيف والناشطة جوشنا ماهاراج، التي قدمت مشروعها لإصلاح أنواع الوجبات المقدَّمة في المستشفيات وغيرها من المؤسسات العامة الكبيرة.
ساهم المطبخ أيضًا في جهود الاستوديو لتقليل بصمتنا الكربونية من خلال حساب الانبعاثات المرتبطة بالوجبات وتقديم الوصفات النباتية أكثر فأكثَر. تتمثل إحدى الخطوات الفعالة لتقليل انبعاثات الكربون في تقليل استهلاك الكوكب للّحوم ومنتجات الألبان، وهو هدف يدعمه تقرير EAT للجنة لانسيت. لكن ذلك لا يعني ضرورة أن يُصبح كلّ واحد منا نباتيًا، كما يوضح الروائي جوناثان سافران فوير: 'يساهم عدم تناول المنتجات الحيوانية عند وجبتي الفطور والغداء في بصمة ثاني أكسيد الكربون أقل من متوسط النظام الغذائي النباتي بدوام كامل'، لأن اعتماد العديد من النباتيين على منتجات الألبان يؤدي إلى انبعاثات معتبرة من الكربون.
في الاستوديو، يقف المطبخ أيضًا عند مفترق الطرق بين الطعام والفن، إذ يمتد الرابط بين الاثنين عبر التاريخ، في لوحات الطبيعة الصامتة الموجودة في الفن الغربي، وفي الأنماط المستوحاة من النباتات في الفنّ الإسلامي، كما في أعمال الفنانين المعاصرين. قام إلياسون وفريقه على سبيل المثال، بإجراء تجارب لإنشاء صبغات ألوان من نفايات الخضروات على مدار السنوات القليلة الماضية. تم عرض بعض النتائج كجزء من مختبر أبحاث الاستدامة،2020، في معرضه بعنوان Sometimes the river is the bridge,( أحيانًا يكون النهر هو الجسر) في متحف الفن المعاصر في طوكيو في عام 2020.
في مشروع أقل نباتيّة، ابتكر الفنان ثيون كارلس حساءً صالحًا للأكل، صُنعه من أحفورية ماموث، وهو ما يثير أسئلة رائعة حول الطريقة التي يمكن أن يربطنا بها الطعام بالماضي السحيق. بعد تجربة صنع مرق أحفوري، في البداية عبر خلط شظايا العظام المتحجرة بالماء وطبخها فحسب، أكمل الفنان بحثه ليطوّر وصفة لـ 'حساء الماموث'.
في كتاب The Empire Remains Shop، تبحث مجموعة Cooking Sections الفنية في التراث الاستعماري البريطاني، عبر العديد من الوصفات، ومنها وصفةٌ لبودينغ عيد الميلاد 'البريطاني' المصنوع من مكونات تمتدّ أصولها إلى أقصى زوايا إمبراطوريتها الكونية السابقة. يقدّم الكتاب أيضًا وصفات للاستجابة لأزمة المناخ، مثل 'سلَطَة الجفاف' و 'خبز المد والجزر'.
يربطنا الطعام، في جوهره الماديّ وسرديّاته، بعضنا بالآخَر، بالعالم الأوسع ، والأزمنة الماضية.
المصادر:
جوناثان سافران فوير , We Are the Weather (نيويورك، 2019).
تيون كرلسي , Fieldguide to Next Doggerland (أمستردام، 2015).
Cooking Sections, The Empire Remains Shop (نيويورك, 2018).
12 / 26
الضوء
يلعب الضوء دورًا مركزيًّا في فن أولافور إلياسون، وهو انبهار يعود بجذوره إلى أيام طفولته في أيسلندا خلال الصيف، عندما تمّ تقنين النفط اللازم للكهرباء: 'كان الجرس يدقّ إنذارًا بانقطاع الكهرباء. في الثانية الأولى، كان كلّ شيء يتحول إلى أسود قاتم، ثم تُضاء النوافذ، لأنه بمجرد أن يعتاد بصرك على. . . الظلام . . . يبدأ الضوء يظهر في النوافذ: زرقة الغسق'.
يؤثّر الضوء في كل ما نقوم به. كما تشرح عالمة البيولوجيا الزمنية آنا ويرز جاستيس، 'من اللافت أن كلّ الكائنات الحيّة، من أصغر البكتيريا والفطريات والنباتات إلى الذباب والأسماك والثدييات، تمتلك مجموعة متشابهة من "الجينات الموقوتة" التي تولّد دورة داخلية تبلغ حوالي أربع وعشرين ساعة. . . . الساعة البيولوجية التي تحرّك إيقاعاتنا اليومية تتلقّى مدخلات ضوئية من العالم الخارجي عبْر العين والأعصاب البصرية. . . . ثمّة مسار بصريّ منفصل يقود مباشرة من خلايا [العين] إلى الساعة البيولوجية - باستخدام الضوء لتوفير معلومات غير مرئيّة للدماغ. يمتلك الضوء عددًا كبيرًا من التأثيرات المدهشة التي لا ترتبط بنظامنا البصري - والأهم من ذلك، فعاليته كعامل التزامن للساعة اليومية".
تُلفِت أعمال إلياسون الفنية الانتباه إلى الضوء كأساس للإدراك، إذ استخدم الضوء كعنصر أساسيّ في الأعمال الفنية، فقام على سبيل المثال بتعديل ظروف الإضاءة للعرض في عام 2006، كما أنشأ تجهيزًا ضوئيًا في سقف إحدى صالات العرض في Lenbachhaus، في ميونيخ، حيث عُرضت سلسلة من لوحات كاندينسكي (Lichtdecke Kandinsky, 2006). تحرّكت الإضاءة في الغرفة بسلاسة بين درجات حرارة الضوء التي تحاكي ضوء النهار في ستة مواقع جغرافية مختلفة، من أجل تعزيز التشكيك في 'حيادية' إضاءة المتحف.
لعبت حركة الشمس ومسارها كذلك دورًا هامًا في إلهام هياكل الأعمال الفنّية، مثل تجهيز Dagslyspavillon ، 2007، الذي يرسم هيكله الشبكي مسار الشمس فوق موقعه المُحدد.
كان الدافع الأساسي لتركيز إلياسون على الضوء يكمن في الاهتمام بإضفاء الطابع المادي على العمل الفنيّ: 'كنت مهتمًا بإضفاء طبيعة جوية على الغرفة الفارغة'.
يعتبَر تحسين الوصول إلى الإضاءة عالية الجودة محرّكًا أساسيًّا لمشروع Eliasson's Little Sun، وهو مشروع اجتماعيّ يوزّع المصابيح الشمسية في بقع من العالم تفتقر إلى الكهرباء الثابتة.
المصادر:
أولافور ألياسون، في مُحادثة مع تور نورتراندرز، في Light! On Light in Life and the Life in Light (كلامبنبورغ, 2015).
آنا ويرز-جستس، في محادثة مع أولافور إلياسون، ‘Daylight’ في Olafur Eliasson: In Real Life (لندن، 2019).
Design Milk Staff, ‘MDW19: A Sit-Down with Olafur Eliasson at Milan Design Week’, Design Milk, 8 مايو 2019.
13 / 26
أكثر من بشريّ
جرى اشتقاق مصطلح 'أكثر من بشريّ' في عام 1996 من قِبَل عالم البيئة ديفيد أبرامز، الذي كتب: 'يضمّ هذا المجتمع الأكبر، إلى جانب البشر، الكيانات غير البشرية المتعددة التي تشكّل المناظر الطبيعية المحلية، من النباتات المتنوعة والحيوانات التي لا تُعدّ ولا تحصى. - الطيور، والثدييات، والأسماك، والزواحف، والحشرات - التي تعيش أو تهاجر عبر المنطقة، إلى الرياح الاستثنائية وأنماط الطقس التي تفيد الجغرافيا المحلية، فضلاً عن أشكال شتّى للتضاريس - الغابات والأنهار والكهوف والجبال - التي تعير شخصيتها المحدّدة للأرض المحيطة'.
تمّ نشر المصطلح في العديد من ميادين الأعمال الأخرى، والتي تشمل علوم البيئة والفن والفلسفة. يُعتبر ما هو 'أكثر من بشريّ' أمرًا جامعًا بشكل واضح، وينطوي المصطلح على مفهوم الإنسجام. على سبيل المثال، تكتب الفيلسوفة وعالمة الأحياء والناشطة النسوية دونا هارواي، 'يمكن العثور على الجينوم البشري في حوالي 10 بالمائة فقط من جميع الخلايا التي تشغل الفضاء الدنيوي الذي أسمّيه جسدي؛ التسعون في المائة الأخرى من الخلايا مليئة بجينومات البكتيريا والفطريات والطلائعيات وما إلى ذلك، ويلعب بعضٌ منها في سيمفونية ضرورية لكوني حتمًا على قيد الحياة، بينما يرافقني بعضها الآخر ولا يؤذي ما تبقّى منّي، أو منّا. أنا أقل عددًا بكثير من رفاقي الصغار؛ أو بالأحرى، لقد أصبحت إنسانًا بالغًا بصحبة هؤلاء الرفاق الصغار. أن تكون واحدًا يعني دائمًا أن تُصبح مع الكثيرين.'
يرفع مصطلح 'أكثر من بشريّ' الأشياء، والمنظومات، والمناظر الطبيعية، والظواهر الطبيعية غير البيولوجية الأخرى إلى المجال المفاهيمي ذاته للرعاية والتبادلية، ويساعد على إزاحة تلك الخطابات بعيدًا من المركزية الحيوية. في مقال بعنوان 'About a Stone' ‘عن حجرة ‘، يكتب الباحث البيئي هوغو راينرت إن 'المزاعم المتعلقة بطبيعة الحياة كمجال فائق تبرّر التردد أيضًا. . . .تخاطر مزاعم من هذا النوع بقطع العالم أثناء تجميعه ، مثل السكين. . . . إنه لمن المهم جدًا، مساءلة النماذج التي تقابل وتنتج ليس الحياة غير البشرية فحسب ولكن أيضًا ما هو غير حي، كمجالات للتحكم، والاستخدام، والتعديل، والاستثمار المنتج.'
يعتبر مصطلح :أكثر من بشريّ' مظلة شاملة للجامد وغير العضوي جنبًا إلى جنب مع الكائنات الحية، ويبرهن أنّ الكائنات غير الحية، سواء كانت رياحًا أو صخورًا أو منظومات نهرية معقدة أو أغطية زجاجات، هي أيضًا عوامل أساسية في التشابكات الاجتماعية والسياسية في العالم . بلا ما هو أكثر من بشري، يبقى البشر ناقصين بالتأكيد.
المصادر
ديفيد أبرامز، The Spell of the Sensuous: Perception and Language في a More-than-Human World (نيويورك، 1996).
دونا هارواي When Species Meet (مينيابوليس، 2007).
هوغو راينرت ‘About a Stone: Some Notes on Geologic Conviviality’ في Environmental Humanities 8، رقم. 1 (مايو 2016).
14 / 26
الثقافات الطبيعية
مصطلح استخدمته كوكبة من المفكّرين في السنوات الأخيرة، اشتقّته لأول مرة الفيلسوفة وعالمة الأحياء والنسوية دونا هارواي. هو يقترح أنه لا توجد حالة طبيعية خالصة خارج النشاط البشري وأن الثقافة هي قوّة من الطبيعة في حدّ ذاتها. بعبارة أخرى، يتعذّر فصل 'الطبيعة' عن 'الثقافة'. ينشأ الفصل السائد بين المفهومين في الفلسفة الأوروبية والعلوم من عصر التنوير فصاعدًا. في الآونة الأخيرة، برزت حركة متنامية بين الفلاسفة والانثروبولوجيين وغيرهم من العلماء لانتقاد هذا التقسيم باعتباره خيالًا، وتحديدًا من قبل الفيلسوف وعالم الاجتماع برونو لاتور والباحثة النسوية في العلوم والتكنولوجيا ماريا بويغ دي لا بيلاكازا.
تكتب بويغ دي لا بيلاكازا إن كونيّات '"الثقافات الطبيعية" تتطلب نوعًا من الالتزام الأخلاقي المهني الذي يستوحي الدروس من لامركزية البشريّ'.
تعدّ الثقافات الطبيعية ثيمة أثيرة لدى أولافور إلياسون، خاصة في الأعمال الفنية التي تردم الفجوة بين الداخل والخارج. في عام 2021، على سبيل المثال ، فتح عمل Life حياة، في Fondation Beyeler، بالقرب من بازل، سويسرا، فضاءَ المتحف الحاليّ للبركة والمنتزه المحيطين، ممّا سمح للمياه بالتدفّق إلى صالات العرض، جنبًا إلى جنب مع الحيوانات والنباتات التي تعيش هناك. من خلال هذه المداخلة، سعى إلياسون إلى تعقيد الحدود المتصورة للمعرض. أين ينتهي الفن ويبدأ العالم 'الحقيقي'؟ يمكن أن يكون هذا سؤالًا خلّاقًا وغير قابل للإجابة.
تلاحظ الروائية جوزفين كلوجارت، أنه 'بدلاً من النظر إلى الشعر والفلسفة والرياضيات والعلوم على أنها أشياء تميزنا عن الطبيعة، يجدر بنا أن نبدأ في رؤيتها على أنها طريقة الطبيعة للتأمل في نفسها'.
يتطلّب كسر الحاجز المفاهيمي بين الطبيعة والثقافة إعادة النظر في كيفية تفكيرنا في الحفاظ على البيئة وحماية البيئة، وعلى نطاق أوسع، استجاباتنا لأزمة المناخ. وفقًا للأمم المتحدة، 'شهد القانون بداية تطور نحو الاعتراف بالحقوق المتأصلة للطبيعة في الوجود والازدهار والتطور. . . . ترتكز حقوق الطبيعة على الاعتراف بأن الجنس البشري والطبيعة يشتركان في علاقة أساسية غير بشرية المركز نظرًا لوجودنا المشترك على هذا الكوكب. . . '
في For Future Assembly, 2021, Studio Other Spaces – قام مكتب الفن والعمارة الذي أسّسه إلياسون وسيباستيان بيمان بالتحقيق في انبثاق 'حقوق الطبيعة'، جنبًا إلى جنب مع وضعها قيد التنفيذ والنضالات المصاحبة لها، في أماكن مختلفة حول العالم.
المصادر:
دونا هارواي The Companion Species Manifesto: Dogs, People, and Significant Otherness (مطبعة .(2003 ,Prickly Paradigm
ماريا بويغ دي لا بيلاكازا، ‘Ethical Doings in Naturecultures’ في Ethics Place and Environment يونيو 2010.
وجوزفين كلوجارت، في محادثة مع أولافور إلياسون، ‘We Are Nature’ في Olafur Eliasson: In Real Life (لندن، 2019).
الأمم المتحدة، ‘Rights of Nature, Law, Policy and Education’، موقع Harmony with Nature website،
http://www.harmonywithnatureun.org/rightsOfNaturePolicies/
15 / 26
أشياء
ما تشترك فيه الفلسفة في حياة العلماء، والمصرفيين، والحيوانات هو أنهم قاطبة مهتمّون بالأشياء'، يكتب غراهام هارمان. إلى سِجِلّ الشخصيات هذا، يمكن للمرء أن يضيف فنّانين - حتى أولئك الذين سعوا جاهدين للتخفف من الطابع المادي للأشياء. لو استعرنا كلمات الناقدة الفنية لوسي ليبارد، فإن 'الفن المفاهيمي بالنسبة لي يعني العمل الذي تكون فيه الفكرة ذات أهمية قصوى والشكل المادي ثانويًّا وخفيف الوزن وعابرًا وزهيدًا ومتواضعًا و / أو "متخففًا من ماديّته"'. يشير هارمان إلى أنّ الأشياء تشمل كيانات لا هي مادية 'ولا حتى حقيقية' - فالتنانين والدوائر المربعة واليوتوبيا هي أشياء توازي المراكب الشراعية والذرّات وأعمدة الهاتف. وفقًا لما تسمّى أنطولوجيا الأشياء الموجّهة التي حدّدها هارمان، فإن العلاقات التي تربط بعض الأشياء ببعضها بالآخر تكون خلّاقة مثل علاقاتها مع البشر، إن لم يكن أكثر من ذلك.
يكتب أولافور إلياسون: 'لعقود خلَتْ، اعتبر الفنانون أن المنحوتات ليس أشياء فحسب، وإنما أشياء تمتلك قوة فعلية، تفعل شيئًا ما في العالم'. إنها أشياء تعرض، على حدّ تعبير المنظّرة السياسية جين بينيت، 'قوة الشيء: القدرة العجيبة للأشياء غير الحية على الحركة، والعمل، وإحداث تأثيرات درامية وخفية'.
في الفنّ، يمكن أن يكون الشيء هو صنبور نافورة المياه المتغيرة باستمرار مضاءة بنور قويّ، أو سحابة، أو علاقة بين شجرتين. يمكن أن يكون أيضًا فكرة أو خاطرة غير مدروسة. أين هي إذن حدود الأشياء؟ هل الفراغ شيء؟ هل تغيُّر المناخ شيء؟
يقترح الفيلسوف تيموثي مورتون فكرة 'الشيء المفرط' للإشارة إلى أمور مثل تغير المناخ، والتي هي أوسع بكثير من الأشياء ومع ذلك يجب التعامل معها على هذا النحو. يكتب 'الأشياء المفرطة'، 'لا تظهر في وقت ومكان معيّنين، بل يجري توسيعها بطريقة تتحدى فكرة أن الشيء يجب أن يشغل مكانًا وزمانًا معيّنين'.
المصادر:
غراهام هارمان The Quadruple Object (وينشستر، الممكلة المتحدة، 2011).
لوسي ليبارد،ix Years: The Dematerialization of the Art Object from 1966 to 1972 (أوكلاند، 1997).
أولافور إلياسون، ‘Becoming Co-sculptural’، في in Modern Sculpture: Artists in Their Own Worlds, حرره دوغلاس دريشبون (أوكلاند، 2022).
جين بينيت، Vibrant Matter: A Political Economy of Things (دورهام، 2010).
تيموثي مورتون، ‘What Does Hyperobjects Say?’ Ecology Without Nature، 28 ديسمبر 2012: http://ecologywithoutnature.blogspot.com/2012/12/what-does-hyperobjects-say.html
16 / 26
الإدراك
كتب عالم النفس ج. ج جيبسون: " ليست العين كاميرا تكوّن وتسلّم صورة، كما ليست شبكية العين مجرد لوحة مفاتيح يمكن الضغط عليها بالأصابع أو الضوء".
تعتبر مسألة الإدراك أمرًا محوريًا في ممارسة الفن لدى أولافور إلياسون، فوفقًا لفهمه ، "لا يتعلّق الإدراك بتلقي المعلومات من العالم – بل إنه يتعلق بالفعل. نحن منتجون مشاركون لما ندركه. أو كما يحاجج الفيلسوف آلفا نوي وآخرون، 'الرؤية هي قدرة للحيوان القائم برمّته. . . . الرؤية هي النشاط الممتد مؤقتًا لاستكشاف البيئة بصريًا' ".
تشير عالمة الانثروبولوجيا والراقصة ناتاشا مايرز إلى أن "جسمك لا ينتهي عند الجِلد. . . . يولّد خيالك أكثر من مجرد صور ذهنية، يمتد نطاقها عبر كامل جهازك الحسّي. في الوقت ذاته، تحمل التخيلات المرئية والحركية شحنة عاطفية… يمكن للتجارب الإدراكية أن تعيد تنشيط جهازك الحسّي. ومن خلال تخيل خلاف ذلك، ورواية قصص مختلفة، يمكنك فتح عوالم حسّاسة جديدة ".
يقارب إلياسون هذه الأفكار من خلال استكشاف الأوهام البصرية، وأنماط التموج في النسيج (مواريه)، وبعد الصور، والانعكاسات، وظواهر الضوء، مع التركيز على ما نساهم به في إدراكاتنا، وما تجلبه العين والدماغ إلى ما نراه. فضلاً عن ذلك، تراه مهتمًا بكيفية إدراك الحيوانات للعالم والطرق التي تؤثر بها اللغة على إدراكنا للألوان، وبمساءلة هيمنة الرؤية في الثقافة من خلال فتح الخبرات الفنية لتشمل الرائحة والذوق واللمس.
المصادر:
ج.ج غيبسون، The Ecological Approach to Visual Perception (أبينغدون، 1979).
ماثيو ف. بانيشيللو و ال.، ‘Predictive Feedback and Conscious Visual Experience’, Frontiers in Psychology 3, رقم 620، .2012
الفا نوي، لويز بيسوا، وإيفان تومسون، Beyond the Grand Illusion: What Change Blindness Really Teaches Us About Vision’ في Visual Cognition 7 رقم 1-3، 2000 .
نتاشا مايرز، ‘A Kriya for Cultivating Your Inner Plant’ (فانكوفر، 2014).
17 / 26
المقايسة
كيف يبدو طنٌّ واحد من ثاني أكسيد الكربون؟ كيف يمكننا أن نجعل شيئًا مجردًا مثل وزن الغاز ملموسًا؟ هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحفيز العمل وإحداث التغيير؟ يحاجج أولافور إلياسون بأن العلم غالبًا ما يضلّ الطريق في تحفيز الفعل، بسبب تركيزه على البيانات القابلة للقياس الكمي التي غالبًا ما تكون مجرّدة لعامّة البشر. حسب رأيه، يمكن للفن أن يكون أكثر فاعلية في الوصول إلى الناس من خلال تمكين الخبرات المباشرة وجعلها في اتصال ملموس مع الحقائق التي تبدو بعيدة: 'على الرغم من أنه من الأهمية بمكان تأسيس العمل في المعرفة والتفكير العقلاني، فإننا نحتاج أيضًا إلى فهم الدور المركزي لمنظومتنا التجريبية في تحفيز العمل'.
في الوقت نفسه، 'نحتاج إلى تجاوز ثنائية الفشل والنجاح'، يحاجج إلياسون، 'لتبني معايير جديدة غير قابلة للمقايسة لما هو العمل الفنّي الجيّد'. بالنسبة له، يتعلق الأمر بدعم جوانب مجتمعاتنا العصية على المقايسة، التي لا يمكن قياسها أو الانتفاع بها. في الثقافات الحديثة المدفوعة بالقياس القائم على الإجابة والتقدم التكنولوجي، غالبًا ما تكون المفاهيم الأثيرة هي تلك التي يمكن جعلها منسّقة عن طريق نبذ القيم المتطرفة لصالح نموذج مقروء، بينما غالبًا ما يتمّ اهمال التجربة المعاشة باعتبارها فوضوية للغاية.
في الواقع ، الشذوذ هو القاعدة، ويتناقض مع القاعدة وليس الاستثناء. نحن بحاجة إلى احتضان الجديد – والكثير ! – من سرديات ما هو غير قابل للمقايسة. هذا أيضًا مجال يكون فيه الفن وثيق الصلة بشكل خاص - حيث يمكننا أن نقترح ، على حد تعبير إدوارد غليسان، 'نحن جزء لا يتجزأ من هذه الكوكبة من العلوم الإنسانية. أن هذا لا يتحول إلى منظومة. أن الكلية شاملة إلى الأبد. أن الكل ليس مغلقًا ولا كافيًا. هذا هو العالم الحي. . . . أن تحلم بالعالم لا يعني أن تعيشه. بالنسبة لنا لا ينمو الجمال من الحلم بل ينفجر في التشابك'.
المصادر:
أولافور إلياسون ‘The Power of Culture to Prompt Action’ في برنامج الأمم المتحدة، Human Development Report 2016 ‘Human Development for Everyone’ أونلاين على https://hdr.undp.org/content/power-culture-prompt-action.
إدوارد غليسان، ‘Measure, Immeasurability’ في Treatise on the Whole-World (ليفربول، 2020).
18 / 26
قوس قزح
بمفردات أولافور إلياسون:
'يعكس قوس قزح الموقع الذي تكون فيه بالنسبة للشمس. فحتى تراه، عليك أن تقف في وضع منخفض نسبيًّا، بحيث تكون في اتجاه معاكس للشمس ويكون المطر في الجهة المقابلة لك من السماء، قريبًا كنت أم بعيدًا. يصل الضوء الذي ينكسر ويتحلل عابرًا قطرات المطر إلى العين بزاوية 42 درجة. ينتج عن هذه العناصر الثلاثة (العين، والشمس، وقطرات المطر) مجتمعة قوس الألوان الذي نشاهده في السماء.
'يعتبر قوس قزح من الناحية الهندسية الرياضية دائرة مكتملة. فلولا وجود الأرض أمامك، والأفق الذي يحجب بصرك، لكان بإمكانك أن تشاهد هذه الدائرة التي تحيط بك، وأن تكون عينك على مركزها. حتى لو وقف شخصان تفصل بينهما أمتار قليلة، فإن كل واحد منهما سيشاهد قوسًا مختلفًا، حسب المنظور الذي يشاهده منه، فلا يستطيع أي شخص أبدًا أن يرى القوس الذي يراه الشخص الآخر.
'يمكننا القول بوجه عام إن ظاهرة قوس الألوان التي تظهر بشكل عابر تؤكد أنك موجود. إذا كان القوس موجودًا، فلا بد أن ثمة أشخاصًا يشاهدونه.
'يتمثل جمال هذا القوس في ظهوره المفاجئ وسط ضجيج الحياة اليومية، حيث تجتمع الشمس والحالة الجوية وعين الإنسان، وتجعلنا نستمتع برؤيته لننصرف عن مشاغل الحياة الكثيرة. هذا الأمر أشبه بمعجزة صغيرة نتوقف عندها، لنحتفي بجمال هذه اللحظات العابرة التي تعكس التقاء العناصر الثلاثة، كما لو أنّ الطبيعة تفاجئنا باحتفال جميل، وتتيح لنا في الوقت ذاته متعة الإحساس بالمشاركة في تنظيم هذا الاحتفال.
—أولافور إلياسون في بيان عن معرض Your light spectrum and presence (طيفك الضوئي ووجودك) الذي أقيم في غاليري تانيا بوناكدار في لوس أنجلوس - 5 فبراير (شباط) إلى 2 أبريل (نيسان) 2022
19 / 26
التكافل
هو الظاهرة التي تتعايش فيها الكائنات الحية من الأنواع كافة في ارتباط وثيق، مما يؤدّي إلى ارتفاع مستوى الرشاقة لواحدٍ أو أكثر من الكائنات الحية' ، كما يكتب الباحثان ل. بول و ت.سي. فوغارتي. أمضت العالمة لين مارغوليس حياتها المهنية وهي تبحث في هذه الظاهرة، معتبرة إيّاها أساسية لتطور الحياة على كوكب الأرض: 'أعتقد أنه على مدار التاريخ البيولوجي، جرى التقليل من أهمية اندماج أنواع مختلفة من الكائنات الحية كظاهرة تطورية'. مستلهمًا من أفكار مارغوليس الجذرية، سمّى أولافور إلياسون معرضه لعام 2020 في Kunsthaus زيوريخ Symbiotic seeing (الرؤية التكافلية). تضمّن الكتالوج المصاحب نصوصًا لمارغوليس ودونا هاراواي وجوزفين كلوجارت وآخرين.
أحد الأمثلة الكلاسيكية للتعايش في الطبيعة هو حزاز الصخر، الذي يتكون من طحلب، وأشنة، أو بكتيريا زرقاء تعيش كلها معًا. وفقًا لعالم الأحياء روبين وال كيميرير، فإن الحزاز 'يذكرنا بالقوة الدائمة التي تنشأ من التبادلية، من مشاركة الهدايا التي يحملها كل نوع'. ولكن كما تذكّرنا عالمة الأحياء التطورية نانسي موران، ليست كل أشكال التكافل مفيدة للمضيف: 'قد تقتل البكتيريا المضيف، لكي تنشر جثة المضيف الميكروبات'.
نعيش جميعًا في علاقات تكافلية مع الآخرين، سواء مع البشر الآخرين في المجتمع، أو مع التربة والنباتات من خلال الزراعة، أو مع البكتيريا التي تعيش في أمعائنا. تشرَح الفنانة آلّي بيشّوب: 'داخل كلّ من أجسادنا "البشرية" ثمّة 10-100 تريليون خلية ميكروبية تكافلية تشكّل مكمّلنا الميكروبي. تُعرف هذه الكتلة الحية بداخلنا بالميكروبيوم. ليست الكائنات الحيّة الدقيقة التي تتكون منها الميكروبيوم مكمّلة لأجسادنا، ولكنها جزء حيّ منها، لولاها لما كنّا على ما نحن عليه. . . . نحن متعددون. يتكشف إيقاع كياننا بالفعل عن فترات غير بشرية لا تعدّ ولا تحصى. نحن دائمًا، وأصلاً أكثر من بشر'. ثمّة حاليّا الكثير من الأبحاث حول العلاقة بين البكتيريا الموجودة في المعدة ودماغنا، أي 'محور الأمعاء والدماغ'، والذي يُفترض أن تكون له تأثيرات كبيرة على صحتنا العقلية والجسدية.
بالتالي، يصبح التكافل أيضًا مسألة تتعلق بحدود أنفسنا وأجسادنا. من خلال هذه الفكرة، يمكن للمرء أن يسائل المفهوم الغربي الحديث للفرد ككائن منفصل، كفَرْد موجود بشكل مستقل خارج نطاق العلاقات العديدة التي نحن جزء لا يتجزأ منها.
كتبت الأنثروبولوجية آنا تسينغ: 'ماذا لو لم تتخذ الهيئة غير المبهمة لحياتنا شكل أجسادنا بل شكل حركاتنا بمرور الوقت؟ هذا الإبهام يوسّع مفهومنا للحياة البشرية، ويبيّن لنا كيف نتحوّل من خلال اللقاء'.
المصادر:
ل. بول و ت.سي. فوغارتي، ‘Artificial Symbiogenesis’, Artificial Life 2، رقم 3، 1995.
لين مارغوليس، مقابلة، Sputnik Observatory، 2017.
روبين وال كيميرير، Braiding Sweetgrass، (مينيابوليس، 2015).
نانسي موران، ‘An Explorer of Life’s Deepest Partnerships’ (مقابلة). Quanta Magazine، 17 سبتمبر 2015.
آلّي بيشّوب. Possible Vehicles for Time Travel (برلين، 2018).
آنا لوينهوبت تسينغ، The Mushroom at the End of the World: On the Possibility of Life in Capitalist Ruins (برينستون، 2021).
20 / 26
الثقة
نحن بحاجة إلى الثقة، على حدّ قول الفيلسوفة أونورا أونيل، 'لأننا يجب أن نكون قادرين على الاعتماد على الآخرين الذين سيتصرفون وفقًا لأقوالهم، ولأننا نحتاج إلى قبول الآخرين بأننا سنتصرف وفقًا لأقوالنا'. يحتمل أن يكون هذا صحيحًا على مستوى المجتمع ككل، حيث يجب أن نثق في المؤسسات لاتخاذ قرارات مستنيرة لحماية السكان، وصون البنية التحتية، لئلّا تبتلعنا حفرة عند السير في الشارع، أو شيء يوميّ مثل كيفية تنقّلنا في الزحام. كما يبيّن أولافور إلياسون، 'ثمة عقد غير مذكور: نتفق على أن الحياة أفضل من الموت. . . . لدينا إيمان بأن السيارة القادمة نحونا لن تحيد عن مسارها، لأننا نفترض أن السائق يهتم هو أيضاً بحياته. من المثير للاهتمام أن ثمة معتقدات ومواثيق مشتركة أنّى توجّهنا، ونثق في أن شيئًا ما سينجح بالفعل، على الرغم من أننا لا نستطيع معرفة ذلك على وجه اليقين'.
الثقة هي إلى حد كبير مسألة قطاع عام يعمل بشكل جيد، وهي فكرة غالبًا ما يتم تجاهلها في الاقتصاد، لكن أرباب الفكر مثل الاقتصاديّة ماريانا ماتزوكاتو كانوا يحاججون من أجل إيلائها الاهتمام اللازم 'أعتقد أنه يجب النظر إلى القيمة العامة على أنها موضوعية، ويتميّز السعي وراءها بعملية نقاش مفتوحة - يشارك فيها المواطنون'. توضح ماتزوكاتو كيف تدعم الحكومات والدولة الابتكار.
الثقة ليست حول ديناميات المجموعة فحسب. في فضاءات الإبداع، الثقة في العملية والثقة في النفس بهشاشتها هي أيضًا ضرورية. كما كتبت الفيلسوفة النسوية ماريا لوجونيس ذات مرة: 'المرح جزئيًا هو انفتاح على الحماقة، التي هي مزيج من عدم القلق بشأن الكفاءة، وعدم تضخيم الذات، وعدم اعتبار المعايير مقدسة واعتبار الغموض والحدود المزدوجة مصدرًا للحكمة والسرور'.
في الوقت نفسه، لا توجد ثقة من غير شك.
المصادر:
أونورا أونيل، ‘A Question of Trust’، Reith Lectures، 2002، أونلاين: https://www.bbc.co.uk/sounds/play/p00gpzfq
أولافور إلياسون، Turning Thinking into Doing into Art: Four Lectures in Addis Ababa (برلين، 2015).
ماريا لوجونيس، ‘Playfulness, “World”-Travelling, and Loving Perception’ (1987) في Feminist Philosophy of Mind (أوكسفورد، 2022).
ماريانا ماتزوكاتو في حوار مع أولافور إلياسون، ‘Trust’، في Olafur Eliasson: In Real Life (لندن، 2019).
21 / 26
عدم اليقين
في الفن، يمكن أن تكون حالات عدم اليقين خلّاقة ومفتوحة على الإبداع، على الرغم من أن هذه الحالات، على حد تعبير أولافور إلياسون، 'لا تتناسب مع معايير النجاح الحالية'. يمكُن لمحاولات تقليل عدم اليقين أن تحدّ من خيالنا وتتسبب في اختفاء 'الإمكانات الحرجة للشك'. لبعض الوقت، أراد إلياسون إنشاء حديقة في الاستوديو الخاص به - ليس بقعة من المساحات الخضراء مع التربة والنباتات فحسب، وإنما فضاء للعمل الإبداعي لينمو، دون معوقات من المواعيد النهائية والميزانيات التي تضع القيود والمطالب على حد سواء.
هذه الحديقة عبارة عن فضاء لـ 'العمل البطيء، والغرابة، والاحتكاك، وعدم اليقين، للأشياء التي يمكن أن تكون بديهية ولكن لمّا يتم فهمها بالكامل. إنها فضاء لتمارين الصوت والحركة. تتطلب البستنة التخلي، والاستماع، وعدم المعرفة، والبقاء فضوليًا، وقول نعم أكثر من لا، والتفكير في لماذا، وليس في كيف فحسب'.
'نظرًا لحاجة البشر الكبيرة إلى القدرة على التنبؤ، ربما لا يبعث عدم اليقين على الراحة'، يكتب الباحثان ديبيكا شوم وسابين ماركس أثناء مناقشة عدم اليقين في علم المناخ، 'يمكن أن يؤدي عدم اليقين إلى القلق'.
لكن قد ينبع الأمل أيضًا من عدم اليقين. تقول الكاتبة والناشطة ريبيكا سولنيت، التي لا تزال كتاباتها تلهمنا في الاستوديو: 'يموضع الأمل نفسه في الأماكن التي لا نعرف ماذا سيحدث فيها، وفي اتساع حالة عدم اليقين ثمة مجال للعمل. . . . الأمل هو احتضان المجهول وغير المعلوم ، كبديل عن يقين كلٍّ من المتفائلين والمتشائمين. يعتقد المتفائلون أن كل شيء سيكون على ما يرام بدون مشاركتنا، فيما يتبنّى المتشائمون الموقف المعاكس، وكلاهما يعفي نفسه من الفعل'.
دوّنت الكاتبة فيرجينيا وولف في يوميّاتها يوم 18 يناير 1915، 'المستقبل مظلم، وهذا أفضل حال يمكن أن يكون عليه المستقبل، على ما أعتقد.'
المصادر:
ديبيكا شوم وسابين ماركس ‘The Psychology of Climate Change Communication’ (نيويورك، 2009): http://guide.cred.columbia.edu/pdfs/CREDguide_full-res.pdf
أولافور إلياسون، Your Exhibition Guide، تطبيق رقمي، 2014.
أولافور إلياسون، On gardening، غير منشور.
ريبيكا سولنيت، Hope in the Dark (شيكاغو، 2004/2016).
ريبيكا سولنيت،‘Woolf’s Darkness: Embracing the Inexplicable’، في ,The New Yorker 24أبريل 2014. https://www.newyorker.com/books/page-turner/woolfs-darkness-embracing-the-inexplicable.
22 / 26
بركان
شكّل حوالي 130 بركانًا في آيسلندا مناظرها الطبيعية على مدى آلاف السنين، ولم يزل الناتج عن النشاط البركاني من الشواطئ ذات الرمال السوداء، وحقول الخفاف المتدفقة، والسخّانات موضوعًا للتقاليد الآيسلندية والافتتان الكوني. سافر أولافور إلياسون، الذي قضى معظم طفولته في آيسلندا، كثيرًا على مرّ السنين لتصوير المناظر الطبيعية والجغرافيا في البلاد، وخاصة البراكين.
تقع البراكين على العتبة بين داخل الكوكب وخارجه، فيما تُطلق الانفجارات الدورية دورة صخرية تنقل المادة المنصهرة من أعماق قشرة الأرض إلى خارجها. لذا تُعد إعادة التشكيل المفاجئة للداخل والخارج أيضًا نقطة محورية للخيال والاستعارة. الأرض تحت أقدامنا في حالة تحول مستمر في نطاق زمني لا يشعر به البشر عادةً، باستثناء هذه المواقع العرضية للتصدّع، والتي في العديد من الأساطير، جرى تخيّلها كبوابات للعالم السفليّ. هذا صحيح على نحوٍ ما - لأن البراكين هي بالفعل نوافذ على العوالم السفلية والمُختفية للصخور.
يمكن للتحديق في فوهة الحمم البركانية أن يذكّرنا بأن الصخور والعناصر المكونة لها تبعد كل البعد عن الخمول، لأنها ليست صخور فحسبْ، بل كائنات صخرية لها قوّتها الخاصة وتاريخها القديم ومستقبلها، كائنات متشابكة ديناميكيًا مع مجالات الكائنات الحيّة، بحيث تقذف لتشكّل كتلًا أرضيّة جديدة، وتطمس عوالم حياة معيّنة، وتغذي حياة جديدة، وتُلهم الأساطير، وأحيانًا تذهب لأبعد من ذلك، إلى تغيير المناخ العالميّ حتى.
تستخدم العديد من الأعمال الفنّية التي رسمها إلياسون - بما في ذلك Lava floor (أرضيه الحمم البركانية) 2002 وYour disappearing garden ( حديقتك المختفية) 2011- الصخور البركانية مثل حجر السج، والخفاف، والبازلت كمواد أو مصدرٍ للإلهام. غالبًا ما تكون هذه الصخور المعروضة في فضاءات العرض ذات طبيعة غريبة، إذ تشكل لقاءً ماديًّا بين المألوف والغريب.
23 / 26
نحن (والماء)
ماذا نقصد باستخدام كلمة نحن؟ وأين نرسم حدودنا ؟ وفقًا للعلماء جينيفر س ماسكارو، وثاديوس بيس، وتشارلز ل. رايزون، 'من المعروف منذ زمن سحيق أن البشر يميلون إلى تفضيل الأفراد الآخرين الذين يرون أنهم يشبهونهم و/أو ينتمون إلى أفراد مجموعة. . . . يعزز الأوكسيتوسين في الواقع التمييز بين داخل المجموعة وخارجها من خلال جعل الأشخاص أكثر تعاونًا ورعاية تجاه أعضاء المجموعة وأكثر دفاعًا تجاه الأعضاء من خارجها... ' ما هو إذن مدى تعريفنا لداخل المجموعة؟ هل هم الأصدقاء؟ العائلة؟ الحيّ؟ المهنة؟ الحزب؟ الدِين؟ العِرق؟ الأمة؟ الصِنف؟ أم أننا أبناء الأرض؟وإذا كان الأمر كذلك، فهل نعتبر الحيوانات والنباتات والصخور الأخرى أبناء الأرض أيضًا، وجزءًا من نحن الأكثر من بشرية؟
عندما يسأل أي شخص عما يمكن أن يفعله المرء، يحاجج مؤرخ الفن ت.ج. ديموس، 'لا تكن واحدًا. علينا أن ننضم إلى أشكال الحركة، وأن ننمّي اللُحمة والصلات'.
'نحن بلا شكل' هو شعارٌ من الاحتجاجات في هونغ كونغ تمّت المناداة به. 'نحن بلا شكل. يمكننا التدفق. يمكننا أن نتحطم. نحن مثل الماء'.
ألهمت عمليات الحجْر الوبائي الأخيرة طرقًا جديدة للبقاء وحيدين معًا، كما فعلت مجموعة من الراقصين الذين أعادوا النظر في Roof Piece لمصممة الرقصات تريشا براون على شكل استعادة، أطلقوا عليها اسم Room / Roof Piece. تمّ عرض Roof Piece في الأصل سنة 1971 في الهواء الطلق وعن بُعد، من سطح مبنى إلى آخر، في مدينة نيويورك. في عام 2020، أدّى الراقصون الفرادى العمل في عزلة عن منازلهم عبر شاشاتهم، كطريقة اعتمدوها للبقاء على تواصل إبداعي خلال فترة 'التباعد الاجتماعي' الطويلة.
ثمّة أجيال بين الأجيال. كما تحاجج الكاتبة سيدية هارتمان ، 'يواجه كلّ جيل مهمة اختيار ماضيه. . . . يعتمد الماضي بدرجة أقل على "ما حدث بعد ذلك" بقدر اعتماده على رغبات الحاضر وخيباته. تشكل المحاولات والسقطات القصص التي نرويها'.
المصادر:
جينيفر س ماسكارو، وثاديوس بيس، وتشارلز ل. رايزون، ‘Mind Your Hormones’ في in Tania Singer & Matthias Bolz, eds., Compassion: Bridging Theory and Practice, 2013.
ت.ج ديموس ‘Against the Anthropocene’، محاضرة، بروكسل، 2017.
سيدية هارتمان، Lose Your Mother: A Journey Along the Atlantic Slave Route (نيويورك، 2007).
24 / 26
علامة "X" تشير إلى الموقع
"علامة X تشير إلى الموقع" تعبير مأخوذ من الثقافة الإنجليزية الشعبية، يشير إلى تحديد مواقع الكنوز الدفينة على خرائط القراصنة.
تتساءل الشاعرة والفنانة إيتيل عدنان: "في أي مكان نحن؟ في أي مكان؟" ما هو شعورك وأنت بكامل حضورك في المكان الذي تكون فيه؟
يناقش الكاتب جون كابات زين سبل تنمية اليقظة الذهنية في حياتنا اليومية، و"كيف نستطيع أن نقوم بفعل الأشياء التي نفعلها ونحن بكامل التركيز الذهني، أي أن يكون المرء - بعبارة أخرى - حاضر الذهن لحظة بلحظة وعلى أفضل نحو ممكن، حتى يستكشف حياته". بدأنا نهتم في استوديو أولافور إلياسون بموضوع التراحم واليقظة الذهنية منذ أن عقدنا فيه عام 2011 ورشة بعنوان "كيف نعزز التراحم"، استمرت لثلاثة أيام. قامت عالمة الأعصاب الاجتماعية تانيا سينغر بتنظيم هذه الورشة، بمشاركة المعلمين البوذيين جوان هليفاكس وماثيو ريكارد وباري كيرزين وآخرين.
قد يكون الموقع مكانًا مشغولًا، وقد يكون مكانًا فارغًا أو بقعة عمياء. يقول الفيلسوف ميشيل بيتبول إن "البقعة العمياء هي الموضع الذي ترى منه الأشياء: فالذي لا يُرَى هو الناظر الذي يَرى".
يكتب أولافور إلياسون: لقد أعاد المنظّر الأدبي الأرجنتيني والتر د. مينولو المتخصص في النظرية الديكولونيالية صياغة المفهوم الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود"، ليصبح: "أكون موجودًا حيث أعمل وحيث أفكر". التفكير والعمل والمكان عناصر متشابكة بشكل جوهري. إن إدراكي للمكان الذي أكون فيه هو الخطوة الأولى لمعرفة من أكون والتصدي للأسئلة الوجودية الأساسية. لكن المعرفة لا يمكن إلا أن تكون جزئية. تتحدث عالمة الأحياء والناشطة النسوية دونا هاراواي عن "المعارف القائمة": المعارف (بصيغة الجمع) التي تتشكل وتنشأ من خلال ارتباط الإنسان بموقع معين في ثقافة معينة وفي وقت معين".
المصادر:
إيتيل عدنان، There: In the Light and the Darkness of the Self and the Other، (نيويورك، 1997).
جون كابات زين، Full Catastrophe Living (نيويورك، 1990).
ميشيل بيتبول، Never Known But Is the Knower (برلين، 2014).
أولافور إلياسون، مقتطف من بيان الفنان من معرض Navegacíon situada في Galería Elvira González، 20 يناير (كانون الثاني) - 2 أبريل (نيسان) 2002.
25 / 26
نعم
تعكس لفظة 'نعم' إيمان أولافور إلياسون بأهمية التأكيد على التفاعل مع العالم. لطالما حفّزت الفنان فكرة أن 'للتفاعل عواقب'. يعني بهذا أن الناس يشتركون في إنتاج العالم من خلال أفعالهم.
كتب إلياسون في مقالته بعنوان "You Engagement has Consequences" (للتفاعل عواقب): 'لا بد للنسبية التي يخلقها التفاعل الزمني من أن تُعطى اسمًا مُختبريًا، أقترح "نعم" (نحو عملكم المتسلسل). توجه هذه ال "نعم" انتباهنا إلى الوقت والحركة وقابلية التغيير. إنها تُغيّر ما يُعتبر على الأغلب صحيحًا، لكي يُصبح نسبيًّا. عندما يتم الإدلاء بما يسمى بيانًا صادقًا، يجب عليك إضافة "نعم" من أجل الارتباط بالبيان ومراجعته والاستفادة منه. من خلال اعتبار "نعم" عنصرًا مركزيًا في تصوراتنا، يمكننا التفاوض مع الدوغما المتحكمة بالخلود والموضوعية الثابتة، وبالتالي التأكيد على مسؤوليتنا عن تكوين الوضع الملموس.'
تكتب ميّتي اينغفارسون في ‘Yes Manifesto’:
نعم لإعادة تعريف البراعة
نعم 'للاختراع' (مهما كان مستحيلًا)
نعم للتصور المفاهيمي للتجربة والتأثير والإحساس
نعم للمادية والممارسة الجسدية
نعم للتعبير
نعم لإلغاء التسمية وفك الشيفرة وتسجيل التعبير
نعم لعدم الاعتراف وعدم التشابه
نعم ل 'لا معنى له /' لغير المنطق
نعم لتنظيم المبادئ بدلًا من أنظمة المنطق الثابت
نعم لنقل 'المفهوم الواضح' إلى ما بعد الأداء الفعلي
نعم للمنهجية والإجراءات
نعم للتحرير والحركيّة
نعم للأسلوب كنتيجة للإجراء وخصوصية الاقتراح (بما يعني أن لكل اقتراح 'أسلوبًا' / خصوصية أخرى، وبهذا المعنى لا يمكن اعتبار العمل جوهريًا.)
نعم للتعدد، والاختلاف، والتعايش
المصادر:
أولافور إلياسون، ‘Your Engagement Has Consequences’ في Experimental Marathon, eds. Hans Ulrich Obrist and Olafur Eliasson (لندن، 2007).
ميتي اينغفارسون، ‘Yes Manifesto’، 2005، أونلاين على: https://www.metteingvartsen.net/performance/5050/.
26 / 26
تكبير
اشتهر فيلم Powers of Ten (قوة العشرة) لتشارلز وراي إيمز عام 1977 إذ حاول تصوّر كلٍّ من مقياس الكون والعالم المجهري من خلال التحرك أولًا نحو الخارج بدرجات في المقياس، ثم نحو الداخل. في عصر جوجل إيرث وأقمار التجسس الصناعية، صار هذا النشاط وسيلة شائعة للتنقل في المدن والبلدان، كما أصبح في الوقت ذاته، أداة للقوة والعنف، غالبًا ما تستخدمها الدول.
يحاجج الفيلسوف وعالم الاجتماع برونو لاتور ضد الإحساس الزائف بالإتقان خلف هذا الانزياح في المقياس، إذ 'لا تتداخل مستويات الواقع بعضها ببعض مثل الدمى الروسية. . . . فضلًا على ذلك، من الخطأ الاعتقاد بأن الخرائط، على سبيل المثال، تثبت حقيقة تأثير االتكبير: عندما ينتقل المرء من خريطة ذات مقياس 1 بوصة على 1 ميل إلى أخرى بمقياس 1 بوصة على 10 أميال، فإن الأخيرة لا تحتوي على المعلومات ذاتها التي تمدّنا بها الخريطة الأولى: بل تحتوي على معلومات أخرى قد (أو لا) تتوافق مع ما يظهر في الخريطة الأولى'.
في 24 ديسمبر 1968، التقط رائد فضاء أمريكي على القمر صورة للأرض وهي ترتفع فوق الأفق القمريّ. أصبحت الصورة المعنونة ب شروق الشمس واحدة من أكثر الصور البيئية شهرة على الإطلاق، وبعد أن أعطت البشر واحدة من أولى المناظر لرؤية الأرض من الخارج، يُنسب لها الفضل في تحديد بداية الحركة البيئية.
مارست الصورة تأثيرًا عميقًا ومحفّزًا على المجتمع الدولي، إذ كانت بمثابة تذكير بأن البشر قاطبة على هذا الكوكب يتقاسمون منزلًا واحدًا مشتركًا هو الأرض، والتي ، من منظور بعيد كالذي يظهر في الصورة، تُعد صغيرة وهشّة، في حين أنّ حدودها السياسية غير مرئية من الفضاء. تمتلك صورة الأرض الشاملة القدرة على توحيد البشر في 'نحن' مشتركة، لكن مفهوم الـ'نحن'، يبقى مفهومًا إقصائيًا بطبعه. تحمل الإمكانيات الإيجابية للكلّية جانبًا آخر: فهي تُمكِّن أيضًا آليةَ تحكّم عالمية غالبًا ما تتجاهل أو تلغي عوالم الحياة التي لا تتناسب مع نظام شموليّ.
يكتب المؤرخ الإعلامي جون دورهام بيترز: 'يمكنك دائمًا إضافة رقم جديد على أي لانهائية مفترضة'. 'لكننا في الفيزياء، رغم ذلك، نعود دائمًا إلى القيود التي تفرضها الطبيعية. أصبحت هذه القيود أكثر دقة وضآلة منذ عهد الإغريق، إذ كان الفكر القديم مليئًا بالأشياء غير المرئية والعصيّة على الوصف، ولكن عبر الاتصال المباشر، كانت أصغر الأشياء بالنسبة إليهم هي الرمل أو البذور أو الغبار أو الحبوب، أو قطرة ماء، أو البرغوث'.
على الرغم من أنه يمكن للخيال والفن أن يطويا حدود العالم المدرك من الناحية المفاهيمية، ورغم قدرة النظريات على أن تحتوي على مقاييس كبيرة وصغيرة بشكل لا نهائي، لا يزال البشر مقيّدين بحدود الإدراك عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى العوالم الكبيرة والصغيرة من خلال حواسنا. كانت إحدى طرق طي هذه الحدود تكمن في التقدم في التكنولوجيا الفيزيائية، والتي يمكن أن تزودنا بعيون اصطناعية بعدسات شديدة القرب وشديدة البعد، وتصورات رقمية بوسائط خوارزمية.
اليوم لدينا تلسكوبات يمكنها اكتشاف الثقوب السوداء الصغيرة التي تبعد سنوات ضوئية، وعلى برامج الكمبيوتر التي يمكنها إعادة بناء البيانات على شكل صوَر مركبة غنية تبدو وكأنّها وثائقية. على هذا النحو، يمكن القول أن أجسامنا مهجّنة بالتقنيات التي نستخدمها للتنقل والمراقبة - سواءً كان ذلك بقلم رصاص على الخريطة أو باستخدام (مقراب أفق الحدث) Event Horizon Telescope.
يمكن أيضًا تطبيق التفكير في المقياس على الوقت. بناءً على فكرة لعالم الكمبيوتر دانييل هيليس، يقترح مشروع (فترة طويلة الآن) Long Now ساعةً 'من شأنها أن تنطوي على وقت عميق بالنسبة للبشر. . . . وسيكون لها تأثيرًا على تفكير البشر بالوقت، يشبه التأثير الذي حملته صورة الأرض من الفضاء على تفكيرنا بالبيئة'. بسبب ميلنا إلى التركيز على المدى القصير والمحلي، نواجه صعوبة في التصرف في مواجهة التغيّر المناخيّ، الذي يتطلب تصورًا للوقت أطول بكثير، وشعورًا أكبر بالمقاييس.
المصادر:
برونو لاتور، Anti-Zoom في Olafur Eliasson: Contact (باريس، 2014).
جون دورهام بيترزJohn Durham Peters, ’33 + 1 Vignettes on the History of Scalar Inversion’, ELH 2, nos. 305–331 (بالتيمور، 1986).
The Long Now Foundation, أونلاين على
https://longnow.org.
اعرف المزيد عن المفاهيم الـ 26 الموجودة في خارطة البحث.